هاشم عبدالعزيز

سقط التشكيك في القدرة العراقية، وكذب التسويق من أن الحرب ستدوم سنوات عدة، ووضع الجيش العراقي، و«بدعم» قوى التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب نهاية موفقة لسيطرة تنظيم «داعش» على الموصل ثاني أكبر المدن العراقية.
لسنا بصدد مجريات الحرب التي تشهد في الموصل لحظاتها الانتحارية ل«داعش»، والمفتوحة على مناطق عراقية أخرى لحسم هذه القضية.
لكن المناسب القول إن طرفي الحرب تبادلا المفاجآت التي ستبقى شاهداً على ما جرى في الموصل، سيطرة من «داعش»، وانتزاع من القوات العراقية.
في السيطرة التي جرت باجتياح استعراضي ألحق «داعش» بالجيش العراقي القهر، لكن في انتزاع الموصل من قبضة هذا التنظيم ألحق الجيش العراقي ب«داعش» الذلة، حين تمكن من الوصول إلى مخابئ وأنفاق، جماعاته وقياداته، وأسقط هالة جبروته الذي بدا في تسويق وسائط إعلامية عدة، كما لو أنه صناعة سحرية للإرهاب لا في العراق وحده، بل وفي كامل هذه المنطقة، وعالمنا بأسره.
والواقع، أن العراقيين انتزعوا نصراً تاريخياً ومشهوداً، وتاريخية الإنجاز العراقي لا تقوم على النصر العسكري وحسب، بل في طبيعة العملية التي قادها الجيش العراقي، واجترح خلالها مآثر عدة، تأتي في أولوياتها إنقاذ أبناء الموصل من مآسي قبضة «داعش» الذي أذاقهم الخوف، والترويع، والتنكيل، والاستباحة الانحطاطية، واستخدمهم دروعاً بشرية، بخاصة في المدينة القديمة ذات الطبيعة المعقدة عمرانياً التي أقام «داعش» تحتها مدينة من الأنفاق العسكرية.
هنا يأتي التساؤل: إذا كانت المعركة ضد هذه الجماعة الإرهابية ستؤدي إلى انتزاع المناطق التي تسيطر عليها، أكان في العراق أم سوريا، فهل يعني هذا نهاية «داعش» الذي كان يملك قدرات عسكرية كاسحة، ومن ثم دخلت دورة العمليات الانتحارية في العراق وسوريا، وفي بلدان أوروبية عدة؟
الواقع أن الإجابة عن السؤال تطرح أسئلة عدة ومن ذلك:
أين ذهبت عناصر هذه الجماعة التي كانت استباحت الموصل، وقدرت من مصادر استخبارية أمريكية وأوروبية، وتداولات إعلامية بعشرات الآلاف؟ وكيف حدث هذا الذوبان، والاختفاء بعد أن كانت التوصيفات تذهب إلى أن تنظيم «داعش» لن يغادر الموصل لأنها قاعدة ارتكازه، وهو عمل على استملاك مصير المدينة، وإلى هذا وذاك، جرت عمليات إعدام بشعة في حق من تراخوا في الحرب، أو حاولوا الفرار، والأهم أن الذين استسلموا للقوات العراقية كانوا أعداداً قليلة؟
وإذا كان سقوط الموصل لا يزال، رغم كل ما قيل، لغزاً.
أليست الألغاز لهذه الجماعة الإرهابية في توالد، ومن هذا عودة اشتعال المعارك في مناطق، ولو صغيرة من الموصل، بعد أن كان الإعلان عن حسم نهائي للمعركة لمصلحة القوات العراقية؟
وما الذي يمكن أن يقال في شأن عودة وصول «داعش» إلى منطقة تدمر السورية، وهو سيطر عليها فترة غير قصيرة ودمر الكثير من معالمها التاريخية العريقة؟ 
الأهم من هذا كله، إذا كان استهداف «داعش» يجري تحت مظلة الحرب على الإرهاب، فماذا يعني غياب المعلومات عن خلفية هذا التنظيم، وعن مسار وجوده، وعن تبنيه، ودعمه، وتمويله، وتدريبه، وتسليحه؟
ثم كيف جاء وجود وصعود «داعش» في ظل ما يسمى الحرب على الإرهاب؟
قديماً قيل إن العنف ظاهرة ناتجة عن الظلم والقهر والحرمان، وانسداد الأفق أمام الشباب، ومصادرة حقوق الإنسان في حياة حرة كريمة وسعيدة.
بيد أن العديد من الجماعات التي ظهرت في الأعوام الأخيرة لا تستند إلى هذه الحقوق، والمطالب، الأمر الذي يعني أنها صنيعة، وهي صنيعة استخبارية، وهكذا تأتي الألغاز، ومن ذلك أن استخبارات تترجم الحرب على الإرهاب بصناعة الإرهاب ذاته، واستخدامه، والمثال مصر المستهدفة بهذه الصنيعة، بجرائمها الوحشية.