فايز بن عبدالله الشهري

لم يكن الحدث عاديا سواء لجهة موضوعه الكبير "الاتصال الثقافي" ولا في مكانه العريق "جامعة السوربون" ولا في المنظمين المبادرين "كرسي حوار الحضارات" الذي أُسس في يناير 2011 بجامعة "باريس 1 بانتيون السوربون" بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

كان السعوديّون الذين توافدوا على باريس وجامعتها العريقة مشاركين في فعاليّات هذا الكرسي ضمن أعمال دورة «أسس ومبادئ وتطبيقات الاتصال من أجل التعايش السلمي ونبذ الكراهية». وقد ظهرت النخبة السعودية المشاركة في أروقة "السوربون" ممثّلة لقطاع التعليم العالي والمؤسسات الحكومية وكان الحضور والمنشط إضافة سعوديّة نوعية من حيث الوزن العلمي (التخصصات/المسؤوليات) أو لجهة المساهمة الوطنية في دبلوماسية الاتصال الثقافي بين النخب في عالم اليوم.

وعلى مدى ثلاثة أيام وفي ستة لقاءات علمية كانت العناوين مناولة بين أربعة محاضرين سعوديين وأربعة فرنسيين تناولوا فيها أسس الاتصال الثقافي والحوار الحضاري والموقف من الآخر، وسبل تعزيز مبادرات تحقيق التعايش الإنساني والسلم الدولي. وقد تطرّق الأكاديميون الفرنسيون إلى تحديات الحوار بين الثقافات عبر الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وكذلك تحديات حوار الثقافات في ظلال موجة الإرهاب العالمية. وعرض السعوديون رؤيتهم وبعض التجارب التطبيقية حول الاتصال بالآخر، ودور النخب فيه. ثم كان لمستشار الخارجية الفرنسية للشؤون الدينية كلام مهم عن تحديات الحوار بين الثقافات ودور الأديان في التفاعل الثقافي.

إن مثل هذه المبادرة التي تقدّر لجامعة الإمام محمد بن سعود هي الخطوة المطلوبة في الاتجاه الصحيح ضمن مفهوم الدبلوماسية الثقافية وحوار النخبة. نحن نعلم أن الإعلام في العالم تديره مؤسسات كبرى لخدمة مصالح أكبر ولهذا فإن جهود التواصل مع وسائل الإعلام هناك مطلوبة ولكنها ستظل من باب تخفيف الضرر وتصحيح المعلومات ولكن جموح الإعلام الغربي لا حد له ومضامينه غير المنصفة تدفعها خدمة المصالح أو بحثا عن الإثارة والتشويق.

ولهذا فإن التواصل العلمي والحوار الحضاري في قاعات مؤسسات العلم والمعرفة أركان مهمة تؤسس للمفاهيم الإنسانية المشتركة وتعزز النسب الثقافي بين الحضارات وتخرج بأطراف الحوار من ضيق المزايدات العنصرية التي قد تكون وقود بعض المناكفات الإعلامية إلى فضاء المشترك الإنساني ورحابة القيم الفاضلة التي ترعاها كل الأديان.

أما وقد بادرت جامعة الإمام إلى التصدّي لهذا الثغر الثقافي وقدمت أنموذجا مشكورا سواء من خلال مناشط هذا الكرسي أو من خلال ما تقدمه الجامعة عبر الكراسي الأخرى ومعها المؤتمرات العلمية والمشاركات العلمية مع مؤسسات عالمية فإن الدعوة الآن مفتوحة لبقية جامعاتنا للإسهام في هذا الرباط الثقافي العلمي.

لنتخيل فقط الثمار الحضارية الاتصالية التي يمكن تحقيقها لو نشطت نصف الجامعات الرسميّة الـ 28ويمّمت كل جامعة منها لجامعة عريقة في دولة من الدول الكبرى ضمن مبادرات حوار وتواصل ثقافي وضمن إمكاناها المالية والبشرية الحالية.

إنّنا اليوم في عصر الاشتباك التقني المعلوماتي بحيث أصبحت الوسائط التقنية تقول عنّا ما تريد ولهذا فإن الغياب عن مراكز العلم ومؤسسات الثقافة العالميّة سيترك المجال لتعزيز كثير من المعلومات المشوّهة ولا مناص من مشروعات تكون الجامعات منطلقها أو ركنها الأساس.

قال ومضى:

على بوابة الصمت لا يهدأ زحام الأسئلة.