أمل عبد العزيز الهزاني

 مكافحة الإرهاب بوصفها أساساً أخلاقياً، لا أحد يختلف عليها؛ حتى الإرهابيون أنفسهم، فميليشيا إرهابية مسلحة مثل «حزب الله» اللبناني تسمي تنظيم داعش «إرهابياً»، وبالمثل ينظر إليها «داعش»، رغم أن كليهما إرهابي. بشار الأسد الذي ارتكب جرائم بشعة بحق السوريين لا شبيه لها في العصر الحديث، يعدّ الجيش الحر وفصائله مثلهم مثل «داعش» و«أحرار الشام»؛ إرهابيين. الفيصل في هذه المسألة ليس ما يحكم به المنتفعون من هذا السجال؛

بل ما يتخذه المجتمع الدولي من مواقف، وتجمع عليه الدول التي تحمل في يدها ما يدين جماعات أو دولاً بعينها إدانة واضحة.
الولايات المتحدة مؤخراً فرضت عقوبات على إيران لخرقها قرار مجلس الأمن الذي جرّم برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية، حيث تصر طهران على الاستمرار في تجاربها، واستمرار دعمه مالياً، كما فعلت بعد فرض العقوبات الأخيرة كرد فعل عليها. لكنه كذلك أشار بأهمية إلى أن سبب العقوبات هو دور إيران الخبيث في نشر العنف والجرائم ضد الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط، ومنها، كما ورد في نص العقوبة، دعمها المتمردين الحوثيين في اليمن، وتقويضها السلم في هذا البلد المنكوب، إضافة إلى دورها في تمزيق سوريا من خلال دعم نظام الأسد بالأفراد والسلاح. مثل هذا الموقف جاء متزامناً مع تأييد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تقرير وكالة الطاقة الذرية بأن إيران ملتزمة حتى الآن ببنود الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه صيف 2015. وهذا يعني أن الإدارة الأميركية الحالية مدركة حجم الثغرة التي تتخلل الاتفاق من حيث عدم تضمينه شرطاً يمنع إيران من زعزعة استقرار المنطقة. ولا تزال إدارة ترمب تعتقد أن طهران تنتهك روح الاتفاق من خلال هذه الممارسات الإجرامية الواسعة المساحة في المنطقة العربية، وهذا موقف إيجابي ومهم كنا نتطلع إليه منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذي تشدد في موقفه في عدم الخلط بين الأمرين. اليوم أصبح الميزان أكثر اعتدالاً؛ البرنامج النووي الإيراني متجمد، لكن برنامج تطوير الصواريخ الباليستية يعطي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي فرصة كبيرة في التضييق على إيران مع تكرار فرض مثل هذه العقوبات، وكشف المزيد من المعلومات حول نشاط شركات وأفراد من الحرس الثوري في الشرق الأوسط.


مكافحة الإرهاب جهد دولي مشترك، لكن واشنطن بحكم امتلاكها جهاز استخبارات عالي الكفاءة تستطيع رصد ومراقبة الأنشطة الإيرانية ومعاقبة إيران أو غيرها من الدول. وهذا العمل الأميركي الفعال يحتاج موقفاً مماثلاً من كل الدول، خصوصا تلك التي ترتبط بشكل غير مباشر بعمل الشركات المدرجة في لائحة الإرهاب، ومنها شركات تتخذ من تركيا مقراً لها.
من جهة أخرى، على المجتمع الدولي أن يأخذ بعين الاهتمام ما تكشفه بعض الدول من أنشطة إرهابية تتعلق بجماعات أو دول أخرى تمارس عملاً شريراً كالذي تمارسه إيران. المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الدول الثلاث؛ مصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، تقاطع دولة قطر، رغم أن الأخيرة عضو في مجلس التعاون الخليجي الذي كان منظومة يضرب بها المثل في التلاحم والعمل الجماعي الذي يصبو إلى ازدهار المجتمع الخليجي، لكن بكل أسف فاجأتنا الأسابيع الأخيرة بأن قطر لم تنتهك هذه الأواصر الوثيقة من خلال الإعلام الإرهابي المتمثل بقناة «الجزيرة» وتحريضها على استقرار الدول فقط، بل تكشفت خبايا كنا نظنها حكراً على دولة مثل إيران؛ لها عقيدة سياسية راسخة للسيطرة على المنطقة العربية منذ الثورة الخمينية. عرفنا اليوم أن قطر تدعم الفصائل الإرهابية؛ منها تنظيم القاعدة، وتمول جماعات إرهابية مثل فصائل «جبهة النصرة» و«داعش»، وتشتري مواقف مواطني دول الخليج بمالها للوقوف ضد بلدانهم، وتثير الشارع العربي بالتحريض على إسقاط أنظمة الحكم. هذا سلوك مستنسخ من إيران، وسير على خطاها، ويفسر إصرار الدوحة على توطيد علاقتها بطهران، حيث وحدة الهدف لتمزيق المنطقة العربية. لذا تقدمت الدول الأربع بخطوة مستحقة وجريئة بمقاطعة قطر وكشف أدلة تدينها أمام المجتمع الدولي، والولايات المتحدة الأميركية تحديداً، التي تجاوبت مع هذه الخطوة بإجبار الدوحة على تنفيذ أحد أهم شروط الدول المقاطعة، وهو وقف تمويل الإرهاب من خلال توقيعها على تعهد بذلك، مما يعني اعترافاً دولياً بحقيقة هذا الدعم.


نعلم أن قطر خلال السنوات الأخيرة توجهت للاستثمار في شركات غربية كبرى بعضها مملوك لشخصيات غربية نافذة، تحسباً لموقف مثل الذي تعيشه اليوم، واعتقاداً بأن المصالح الاقتصادية قد توفر لها ليناً ومرونة من أميركا وأوروبا في حال تكشفت أوراقها. لكن من سوء حظ الأشرار وحسن حظ الأخيار أن الدول المقاطعة ذات تأثير هي الأخرى؛ تأثير اقتصادي وسياسي أكثر ثقلاً من قطر، كما أن الثراء لا يغسل السمعة السيئة ولا يطهرها من آثامها، وما دامت الدول الأربع قررت كشف المعلومات التي لديها للعالم، فهذا يعني أنها خطوة إلى الأمام بلا عودة. والحقيقة أن النظام القطري الحاكم، الذي يواصل بث شكواه ونداءاته للعالم لفك المقاطعة عنه، لا يزال على أمل فك المقاطعة عنه وعودة الأمور إلى مجاريها، لكن للأسف إنها تسير في طريق مسدود.
ولا أعتقد شخصياً أن حل الأزمة القطرية وشيك، نظراً للتطورات الراهنة، وكما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، فإننا لسنا في عجلة من أمرنا. قطر لا تزال تشعر بالصدمة جراء ما حصل لها، خصوصاً من جهة السعودية التي لطالما تمتعت سياستها الخارجية بالحلم والأناة والصبر خصوصاً مع الدول الشقيقة. الأزمة القطرية الراهنة هي امتحان لجدية مبدأ مكافحة الإرهاب، كل دولة تدان بالإرهاب عليها أن تكون في موقع المساءلة، حيث لا وساطة ولا محاباة ولا حسابات من خلف الكواليس.