غسان الإمام 

تواصل براكين القارة العربية قذف حممها اللاهبة. في الأسبوع الفائت، دشن «حزب الله» حرباً مذهبية لصالح إيران في لبنان. ونشبت معركة دينية فلسطينية/ يهودية في القدس الشرقية حول المسجد الأقصى. وتهدد بالتحول إلى انتفاضة دموية.
في الجغرافيا السياسية، تنفجر البراكين العربية معاً. وتهدأ سوية. هي الآن في حالة هيجان وانفجار في الخليج. اليمن. المشرق. مصر. ليبيا. المغرب. وبالتالي لا يمكن التوقف عند بركان واحد منفرد. فالتحليل والتفسير لا يستقيمان إلا برؤية كلية للوحة الملتهبة، لمعرفة ماذا يحدث؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ وأين؟ ولمصلحة من؟...
تندرج حرب لبنان الجديدة، في إطار استراتيجية إيرانية تستهدف تغليف الحدود اللبنانية مع سوريا، بشريط شيعي مسلح. ويتركز هجوم مرتزقة «حزب الله» والميليشيات الأفغانية والعراقية الشيعية، بقيادة ضباط «فيلق القدس» الإيراني، على معسكرات «داعشية / قاعدية» في روابي وجرود عرسال البلدة اللبنانية (السنية) الوحيدة، بين قرى شيعية لبنانية تطل على القطاع الأوسط من إقليم القلمون السوري.
هذه الحرب ليست سهلة، بحكم الطبيعة الجبلية لإقليم القلمون المحاذي لحدود لبنان الشرقية. وينطلق الهجوم الشيعي من الأراضي السورية، مدعوماً بقصف مدفعي وجوي كثيف يقوم به الجيش السوري. وقد حقق الهجوم تقدماً. لكن الثمن كان باهظاً. وقد اعترف «حزب الله» بفقد 19 قتيلاً في اليوم الأول.
وورط «حزب الله» في هذه الحرب الجيش اللبناني. لكن الجيش لم يستطع الوصول إلى المعسكرات. فاقتحم المخيمات السورية المجاورة لعرسال. وأجرى اعتقالات وسط حملة إعلامية على النازحين السوريين. وأدت وفاة أربعة مدنيين منهم تحت التعذيب، إلى توتر سياسي داخل تركيبة الحكومة اللبنانية الهشة وفي الشارع اللبناني. فاختصر الجيش دوره في الحرب بالقصف المدفعي، وبمحاصرة المخيمات لمنع لجوء الفارين من «الدواعش والقواعد» إليها، مستفيدين من وجود أسرهم وأطفالهم فيها.
وهكذا كلفت إيران «حزب الله» تحمل وطأة الهجوم. ويتوقع المراقبون اللبنانيون أن تستغرق الحرب وقتاً طويلاً. فتضطر إيران. والحزب. وبشار. والجيش اللبناني إلى العودة للمفاوضات مع المعسكر. وإقناع المدافعين عنه بالرحيل إلى محافظة إدلب السورية التي باتت مأوى للتنظيمات المتزمتة والمعتدلة (السنية) المتناحرة.
تداخلت حرب إيران في لبنان مع أزمة حادة بين الكويت وكل من لبنان وإيران. الأزمة تظهر مدى عمق التورط الإيراني في صميم الشؤون العربية. ومدى عجز أميركا. وأوروبا. وروسيا، عن لجم إيران التي اعتبرت اتفاقها النووي مع الغرب بمثابة ترخيص لها بعسكرة تدخلها في العراق. وسوريا. ولبنان. واليمن.
طالبت الكويت لبنان بتسليمها أعضاء في «حزب الله» أدانهم القضاء الكويتي بتدريب خلية «العبدلي» الإرهابية الإيرانية في الكويت. عجزُ السلطات اللبنانية عن تسليم المتهمين، قد ينعكس بانصراف الكويتيين عن قضاء فصل الصيف في لبنان.
ربما لا تتجاوز مضاعفات أزمة الكويت مع إيران حدود طرد دبلوماسيين إيرانيين. فقد تكتفي إيران بنجاحها في تهريب أفراد الخلية الإرهابية من الكويت. وإيوائهم لديها. لكن سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية ذهب إلى واشنطن، لاستيضاح موقف إدارة الرئيس ترمب من ألعاب إيران النارية في لبنان والمنطقة العربية.
أين المملكة العربية السعودية من هذه التطورات المتسارعة؟ أعادت القيادة السياسية السعودية أخيراً ترتيب بيتها الداخلي. ومواصلة حربها الداخلية والخارجية على الإرهاب، فقد ألحقت مؤسساتها الأمنية والمباحثية، بمؤسسة أمنية واحدة مرتبطة بمجلس الوزراء.
لماذا مجلس الوزراء بالذات؟ لأن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس تقليدياً الحكومة. ويستطيع متى يشاء أن يكلف ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان الإشراف على المؤسسة الجديدة، باعتبار ولي العهد هو تقليدياً نائب رئيس مجلس الوزراء.
الواقع أن موقف إدارة ترمب بات أقرب إلى الوضوح من إيران. وأزمة الخليج. وفي العراق. ويحتاج إلى إيضاح تام في سوريا. ولبنان. وفلسطين. ترمب مع حل سياسي للنزاع الخليجي يراعي رغبة السعودية، في تحقيق تنسيق أكبر بين دول مجلس التعاون الخليجي، إزاء إيران. 
الأزمة الخليجية مستمرة. لكن التسوية ما زالت متاحة، إذا كانت هناك حقاً جدية راغبة في حل دائم تلتزم به الدول المعنية كلها. لماذا الحل متاح؟ لأن النزاع الخليجي ليس صراع وجود. إنما هو خلاف عربي/ عربي على سياسات متناقضة، يمكن تنسيقها بين دول مجلس التعاون، إزاء إيران. وإزاء «الإخوان المسلمين» الذين يكيدون للسعودية. ومصر. والإمارات، لكن نفوذهم وتأثيرهم يتضاءلان في تركيا. وقطر، نتيجة الانقسامات الحزبية الشديدة بينهم.
ترمب شدد لهجته التهديدية لإيران، مطالباً بالإفراج عن المعتقلين الأميركيين لديها. ووقف تطوير الصواريخ الباليستية. والمساهمة في مكافحة الإرهاب، واستعادة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. لكن المهم معرفة ما إذا كان التصعيد ضد إيران، يستهدف الدخول في حرب معها.
ثمة تباين في وجهات النظر داخل معسكر ترمب إزاء هذه النقطة بالذات. هناك أجنحة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي مع الدخول في حرب، لإقناع إيران بالتخفيف من غلوائها. وطموحها. والانسحاب من المشرق العربي. ووضع حد لمغامراتها الإرهابية في المنطقة والعالم. وهناك دوائر سياسية ترى الاكتفاء بفرض عقوبات إضافية على إيران. والعمل دبلوماسياً وسلماً على تفكيك أواصر هيمنتها على العراق. ولبنان. واليمن.
في هذا المجال، حث ترمب الدول العربية على الانفتاح على نظام حيدر العبادي في العراق المنتشي بنصره العسكري في الموصل. وبالفعل زار وزراء عرب بغداد برفقة عسكريين كبار. ويريد العرب معرفة ما إذا كان العبادي يستطيع لجم ميليشيات الحشد الشعبي (الإيرانية) التي تعيث فساداً وفوضى في العراق. ثم ما إذا كان العبادي قادراً على إغلاق الممر الذي فتحته هذه الميليشيات أمام تدفق تعزيزات عسكرية ولوجيستية إيرانية، على سوريا ولبنان.
في سوريا، ترمب غير واضح. فقد أوقف تمويل وتدريب تنظيمات محلية سورية في الأردن. واهتمامه الوحيد يبدو مركزاً على دعم وإسناد الميليشيات الكردية التي تقاتل مع القوات الأميركية، لإسقاط «الخلافة الداعشية» المزعومة في شرق سوريا. ساير ترمب روسيا في إقامة منطقة تهدئة في جنوب سوريا، تمتد من الجولان غرباً. إلى درعا في الوسط. وصولاً إلى السويداء (الدرزية) شرقاً.
هذه المنطقة العازلة التي تحميها حالياً شرطة عسكرية روسية تعتبر نكسة حادة للوجود العسكري الإيراني الممنوع من الاقتراب من الجولان المحتل إسرائيلياً. ولهذا السبب، تحاول مرتزقة «حزب الله» في حربها اللبنانية رد الاعتبار لمصداقية الجنرال الإيراني قاسم سليماني، فيما تطالب إسرائيل بتوسيع منطقة الهدنة لإبقاء قوات سليماني في الصحراء السورية. في حين تبقى هي مشغولة بارتكاب كل ما في وسعها، لإشعال انتفاضة فلسطينية ثالثة ضدها!