أحمد عسيري

البرفيسور عبدالرحمن الجرعي، أستاذ الدراسات العليا في قسمي الأنظمة والفقه بجامعة الملك خالد، يهوى الإبحار العقلي وإعمال البصيرة، وتستهويه القراءات التأصيلية في مدونات التاريخ وما سكن في مسارب الدهور وتشوفات الفهوم، لديه ولع ورغبة في الدخول إلى عوالم المفارقات،

ورصد التحولات والإشارات الأكثر عمقا، من خلال استنطاقه للدلالات والمعاني، والقبض على المدركات المعرفية بالغة التعقيد، في منجزه الفكري يرسم صورة استرجاعية واستباقية، تهز ما كمن في الذهن، وما استقر في الذاكرة الجمعية، وما التبس وخفي تحت مطارق التوهم وانفلات الدلالة، من خلال المكاشفات النصية المضمرة والغائرة تحت الحجب السميكة، والمخبوءة في بواطن الروح السحيقة، ودهاليز النصوص ذات الكمائن والفخاخ الملغزة المبثوثة في تخوم وبنيات نصوصها، وما ورائيات لفائفها، اشتغل على كثير من الرموز في استقراء ونبش لما غشاها من طمس وتباين لحقيقتها، وفهم جائر لحمولاتها، ومناصبة متربصة ومتوجسة لحضورها ورمزيتها، وعلى سبيل المثال ما قاله أخيرا في محاضرته «أبوالعلاء والفقهاء» التي قدمها في «نادي أبها الأدبي»، حيث أكد أن هناك معلومات مغلوطة فيما ينسب إلى المعري، مثل الخطأ في اسم كتاب «الفصول والغايات»، فجعله بعضهم «في معارضة السور والغايات»، والصحيح أن الكتاب في «تمجيد الله والمواعظ ملأه بالتالد الطريف من لغة وأدب ونحو وفلسفة وفقه وتاريخ، فيه مواعظ وأذكار وآيات وأخبار...»، يقول الدكتور الجرعي: لقد تعرض المعري لاختلاف نسخ آثاره كسقط الزند واللزوميات ومن ذلك البيت المنسوب له: قد تناهت إلى الفساد البرايا... واستوت في الضلالة الأديان، وصحة البيت: ونهتنا لو ننتهي الأديان، كما نسبت بعض الأبيات إليه وليست له، وبعض الحكايات التي يستدل بها على ضلاله ولم تصح، وقد رد تلك التهم عنه محمود شاكر في كتابه أباطيل وأسمار. يؤكد الدكتور الجرعي أن عدم فهم المراد من كلام المعري، لكونه يعتمد كثيرا على المعنى العميق البعيد، فله خطاب خاص ولغة خاصة، وقد مر بأطوار ومراحل عدة، كالشك والاضطراب، ثم الاستقرار وتمجيد العقل غير المنعزل عن الدين، كما نقد المعتزلة والأشعرية والشيعة والنواصب والصوفية والخوارج، وأهل الحلول والاتحاد وغيرهم، دافع عن المعري كثير من العلماء والفقهاء والمؤرخين، كما ألف كمال الدين بن العديم كتابا سماه: العدل والتحري في دفع الظلم والتجري على أبي العلاء المعري، كما أورد الدكتور الجرعي مقولة أحمد تيمور عن سقطات المعري، وما زلّ به لسانه، وكان الأولى له أن يتفادى نظمها، ولا مشاحة في عذر من أنكر عليه فيها، وإنما كلامنا فيمن يرميه بالإلحاد وهو منه براء، كثيرة هي مفاتيح الأدلة المنهجية التي ساقها الدكتور الجرعي في أطروحته، بعيدا عن مخالب النسق، والارتهان الجدلي.