بوتفليقة يقيل رئيس الوزراء ويعين مدير مكتبه مكانه

مراقبون يتوقعون أن يكون العزل بداية حرب طاحنة على السلطة وخلافة الرئيس

توقع مراقبون أن تكون إقالة رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون بداية حرب طاحنة على السلطة وخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ظل تراجع وضعه الصحي.


وكانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت في بيان لها أمس أن الرئيس بوتفليقة أنهى مهام رئيس الوزراء، وعين مدير مكتبه أحمد أويحيى، خلفاً له طبقاً للمادة 92 من الدستور، وبعد استشارة الأغلبية البرلمانية.

وينتظر أن يعين بوتفليقة أعضاء الحكومة الجديدة في الساعات القادمة، ولو أن أغلب التوقعات تشير إلى توجه أويحيى إلى الاحتفاظ بأغلبية الوزراء، الذين شكلوا حكومة تبون، عدا ربما وزير الصناعة محجوب بدة، الذي أزعج كثيرا لوبيات المال والأعمال.

وسبق لأويحيى الذي يتزعم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، القوة السياسية الثانية في الجزائر، أن شغل منصب رئيس حكومة ورئيس الوزراء عدة مرات، ويأتي تعيين أويحيى البالغ من العمر 65 عاما بعد أيام من الصراع الحاد بين رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون، ومسؤولين نافذين في رئاسة

الجمهورية، بينهم أويحيى نفسه بحسب مصادر محسوبة على تبون، الذي لم يستمر في منصبه أكثر من 80 يوما بعدما حل بديلا لعبد المالك سلال.

ولم يستبعد بعض المتابعين للشأن السياسي في الجزائر أن يكون قرار الرئيس بوتفليقة بإعادة أويحيى لرئاسة الجهاز التنفيذي، هي محاولة منه، أو من محيطه المباشر لتحييد أويحيى، و«اغتيال حلمه» الرئاسي، قبل معركة الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2019.

وعلق تبون على قرار إنهاء مهامه بالقول في تصريح مقتضب للموقع الإلكتروني «كل شيء عن الجزائر»، إن «وفاءه للرئيس بوتفليقة يبقى كاملا»، علما بأنه كان يشدد في كل مرة على ضرورة فصل السياسة عن المال، وأنه جاء لتطبيق توجيهات وبرنامج الرئيس بوتفليقة الذي صادق عليه مجلس الوزراء والبرلمان.

ودخل تبون بعد أسابيع قليلة من تعيينه رئيسا للوزراء في حرب معلنة مع رجل الأعمال علي حداد، المقرب من سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس ومستشاره الخاص، ولاقت «خطواته الجريئة» استحسان الكثير من الجزائريين، حيث ارتفعت شعبيته بشكل هائل على مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أن خبر إقالته شكل صدمة للموالين له والمتعاطفين معه.

وبدت الجزائر قبل أيام وكأنها تعيش بوادر أزمة سياسية مفتوحة بين أركان السلطة نفسها، حيث ساهمت تعليمات من الرئيس بوتفليقة وجهها لرئيس الوزراء السابق، عبد المجيد تبون، عبر تلفزيون «النهار» الخاص، الذي يعد في نظر القانون الجزائري قناة أجنبية، وليس من خلال قنوات الاتصال الرسمية، الأسبوع الماضي، في ارتفاع حمى النقاش حول حقيقة من يحكم البلاد، خاصة أن التعليمات تضمنت «توبيخات» ودعوة من الرئيس لرئيس وزرائه إلى التوقف عن التحرش برجال المال والمستثمرين، والعودة إلى القوانين في حال تسجيل تجاوزات، بحجة أن ذلك يضر بصورة البلاد أمام المستثمرين الأجانب. غير أن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس أكد أن عبد العزيز بوتفليقة هو الحاكم الفعلي للبلاد ولا وجود لسلطة موازية، منوها خلال لقائه بكوادر حزبه، الذي يعد القوة السياسية في الجزائر، بأنه لن يناقش أو يحلل ما قاله رئيس الجمهورية باعتباره الحاكم الفعلي وصاحب القرار، كما أنه مطلع على كل الملفات. من جهته، قال جيلالي سفيان، رئيس حزب «جيل جديد» المعارض، إنه «منذ ظهور سعيد بوتفليقة في مقبرة العالية (خلال تشييع جنازة رضا مالك رئيس الحكومة الأسبق)، تحت حماية البروتوكول الرئاسي واستفزازه لرئيس الوزراء أمام الرأي العام، أدرك الجزائريون أن التوازنات الداخلية للنظام قد انكسرت»، مضيفا أن نشر التوبيخ الرئاسي المزعوم لرئيس الوزراء عبد المجيد تبون عبر قناة تلفزيونية خاصة، والذي من شأنه إضعافه والتحضير لتنحيته، قطع الشك باليقين بأن النظام انشطر إلى طرفين على الأقل.

ولفت سفيان جيلالي إلى أن نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى محيطه، بمباركته، ونظرا لعجزه المتعاظم، قد تم بتواطؤ واسع. واستطرد يقول إن «الاتفاق الضمني بين الرئيس ومحيطه كان بسيطا: الرئيس يجب أن يموت رئيساً مهما كانت حالته أو مدة مرضه. في المقابل، فإن (الزمرة) تتحمل مقاليد السلطة باسمه وتحضر لخلافته حسب مصالحها وفي الوقت الذي يناسبها».

وزعم جيلالي أن تبون ومن يسانده «يتصدون للانحراف المافياوي الخطير للزمرة الرئاسية، التي تضع السلم المدني وسلامة الوطن في خطر»، مشددا على أنه «لم يعد مقبولا لجزء آخر من السلطة أن يغض الطرف عن قرارات غير دستورية تضع الدولة في خطر يتم اتخاذها باسم رئيس غير مسؤول لم يبق منه إلا العنوان».

كما أشار جيلالي إلى أن هذه الأزمة المفتوحة لن تهدأ برحيل رئيس الوزراء، داعيا الحكومة لرفض أي قرار يرمي لإقالتها بحكم أن ذلك القرار ليس منبثقا من الإرادة «العمومية المصرح بها للرئيس الرسمي»، كما أشار إلى أن «هيكل النظام الذي يتصدع الآن بشكل واسع، لا يعاني فقط من شغور منصب الرئيس، بل من محاولة انتحال الصفة».

بدوره، قال نور الدين بوركروح، وزير التجارة الأسبق وأحد الشخصيات المعارضة، إنه «كان من الأصوب أن يستدعي رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء أو التحدث معه هاتفيا في انتظار أن ينهي مهامه إذا استوجب الأمر، دون أن يتم تهويل الأمر، وبدل أن يتحدث عنه وكأنه مجرما سيتم القبض عليه قريبا.. وهذه الأفعال والأقوال، سواء جاءت من عند الرئيس أو أخيه أو من مدير مكتبه، أحمد أويحيى، ليست أفعالا عاقلة ولا منسجمة ولا منطقية».

وأضاف بوركروح: «إذا كانت هذه الأحداث التي نسبت لرئيس الجمهورية قد أتت من عنده حقا، فهدا يعني أننا لم نعد أمام رجل منتقص جسديا فقط، بل نحن أمام رجل عاجز ذهنيا، مما يستلزم تنحيته حتما لما في أفعاله وأقواله من خلط وفقدان البصيرة، وهو الأمر الذي قد يجعل البلاد أمام خطر داهم».