شملان يوسف العيسى

اكتشف النفط في دول الخليج منذ أكثر من ثمانين عاماً ونحن نستمتع بمستوى عالٍ من الرفاه الاقتصادي، حيث يتمتع المواطن الخليجي بمزايا يحسده عليها مواطنو الدول المتقدمة من حيث مجانية التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والرعاية السكنية وسياسات الدعم الحكومية.

في دول الرعاية النفطية هذه المعادلة همشت دور المواطن الخليجي وتحول من مواطن معطاء ومنتج فعال إلى مواطن اتكالي يعتمد على الدولة في كل شيء... هذا الوضع غير الطبيعي استمر لفترة طويلة لكن اليوم وبعد انخفاض الطلب على النفط وبروز البدائل المختلفة للطاقة وجدت دول الخليج العربية نفسها في مأزق كبير، لأنها لم تستعد لمثل هذا اليوم، وبدأت معظم هذه الدول تواجه عجوزات في ميزانياتها وأخذت تستنزف احتياطاتها المالية بشكل سريع ومخيف، اليوم تجد نفسها أمام واقع جديد.. يتطلب تنويع مصادر الدخل والتحول إلى اقتصاد إنتاجي بحيث يتطلب المساهمة الفعلية للمواطن والمقيم في اقتصادات هذه الدول.

في السابق كانت الدولة الريعية النفطية لا تعتمد على المواطن أو القطاع الخاص من أجل الحصول على إيرادات... فالدولة تتحكم بكل الموارد النفطية أو غيرها، أما اليوم فقد أشركت المواطن في اقتصاد بلده من خلال دفع الضرائب والرسوم أو خلق مشاريع إنتاجية بعيداً عن الدولة، والأهم من كل ذلك عدم تشكيل أعباء على الدولة من خلال المطالبات الكثيرة منها.

اليوم نحن مقبلون على مرحلة جديدة وعلينا أن نعد أنفسنا إعداداً كاملاً لها ونتعلم من دروس الآخرين في العالم المتقدم أو المتخلف...

دول الخليج بدأت تفكر بشكل جدي بفرض الرسوم والضرائب، بل أعلنت بأنها سوف تبدأ بنظام «الضريبة المضافة» قريباً جداً، الأمر المؤكد بأن فرض الرسوم والضرائب قد تكون الخطوة الأولى... لكن هذه الخطوة البسيطة تواجه معارضة شعبية من أعضاء مجلس الأمة الكويتي الذين يرون بأن فرض الضرائب على المواطنين في ظل ظروف الانكماش الاقتصادي واستمرار سياسة هدر الأموال العامة وتفشي الفساد أمر غير مقبول.

السؤال هل فرض الضرائب على المواطنين والمقيمين في الخليج سيحل مشكلة العجوزات المالية؟ وهل دفع الضرائب والرسوم سيكون بهذه البساطة؟

التجارب العالمية تخبرنا بأن قضية الضرائب معقدة، وتحتاج إلى دولة مؤسسات وشفافية ومهنية عالية عند المؤسسات الحكومية وشعور بالثقة المتبادلة بين الجهاز الحكومي والمواطنين.

والتجربة الديمقراطية في الكويت، مثلاً، جاءت كنتيجة لمبدأ المشاركة السياسية، حيث كان تجار الكويت وأعيانها يدفعون الضرائب والرسوم للسلطة الحاكمة قبل النفط للصرف على الخدمات الأمنية والجمارك... لكن اكتشاف النفط في الكويت غير المعادلة وأصبحت الأموال كلها بيد الدولة، لكن مبدأ المشاركة السياسية لا يزال موجوداً.

نعود إلى معضلة دول الخليج مع فرض الضرائب والرسوم.. على دول الخليج أن تعي بأن مفهوم الضرائب موجود في كل دول العالم المتقدم والمتخلف، لكن هنالك تفاوتاً بين هذه الدول - بعض الدول أثبت النظام الضرائبي نجاحه واستطاع أن يحقق مستوى معيشياً عالياً جداً، حيث أصبح التعليم والصحة وغيرهما من خدمات اجتماعية كلها من أموال الضرائب. مثال على هذه الدول الإسكندنافية السويد وفنلندا والدنمارك بالإضافة إلى سويسرا وألمانيا.

هنالك دول أخرى تفرض الضرائب على المواطنين ولكنها لم تحقق مستوى عالياً لمواطنيها، مثال على هذه الدول اليونان ودول أميركا اللاتينية والهند ومصر والمغرب وبعض الدول الأفريقية.

السؤال ما الفرق بين المجموعة الأولى من هذه الدول والمجموعة الثانية؟ الإجابة هي أن المواطن في الدول الأولى يدفع الضرائب وهو راضٍ ومطمئن ولا يتحايل على حكومته... بينما في المجموعة الثانية يوجد نظام ضرائبي ولا يدفع إلا الأغنياء والمجبرون من المواطنين.

السؤال مرة أخرى ما الفرق بين المواطنين في السويد مثلاً والمواطنين في بعض دول آسيا وأفريقيا... السبب أن المواطن يحصل على الخدمات الممتازة كلها والخدمات العامة بجودة عالية في السويد، بينما المواطن في العالم الثالث يدفع الضرائب والرسوم دون الحصول على أبسط الخدمات، والسبب يعود لفساد الأجهزة الحكومية التي تفتقد إلى المصداقية.

وأخيراً نتمنى على دول الخليج ألا تقوم بفرض الضرائب والرسوم قبل أن تصلح المؤسسات الحكومية... بحيث تقدم خدمات عالية الجودة وتقضي على البيروقراطية وتوقف هدر الأموال العامة... وإلا سوف يجد البعض ألف طريقة لعدم دفع الرسوم والضرائب... مما يفقد الدولة دخلاً مضموناً للسير في طريق التنمية.