عدلي صادق 

يتحمل الجانب الأوروبي، الجزء الأكبر، من أسباب البؤس المقيم، في المغرب. فمن خلال استعراض فقرات وثيقة المطالب التي تقدم بها الحراك الريفي لسلطات البلاد.وبالعودة إلى كل مقاربات تأسيس تعاون يورومتوسطي، خلال ربع القرن الماضي؛ وخاصة منذ مؤتمر برشلونة في العام 1995 للتعاون بين ضفتي البحر المتوسط، ولا سيما غربي الضفة الجنوبية منها، نجد أن الجانب الأوروبي قد تحسس مبكرا، الحاجة المشتركة إلى التنمية التي من شأنها تحقيق فوائد عظيمة للطرفين، المغاربي والأوروبي، على الأصعدة الاقتصـادية والاجتمـاعية والثقـافية والأمنية!

غير أن أوروبا تلكأت وحاولت التشاطر، بالتركيز على العامل الأمني وبعض الفعاليات الثقافية، وأهملت جوهر المأزق. علما بأن المثقف، الذي يمكن أن يسافر لحضور ورشة عمل في بلد أوروبي، سيكون راغبا في طلب اللجوء، إن لم يكن قد حضر قادما من منطقة مزدهرة تتوفر له فيها حياة متوسطة البحبوحة.

ففي بلد كالمغرب، وفي منطقـة فيه، كالريف الهائج اليوم، لم يكن الأوروبيون بصدد صحراء قاحلة، إنما بصدد منطقة تملك شروطا زراعية ممتازة، وتحتاج إلى التطوير. بل إن الدول المغاربية ككل، تكمن فيها إمكانات اقتصادية هائلة، يمكن استغلالها لمصلحة الطرفين المغاربي والأوروبي، وهي جديرة بتحقيق نهضة اقتصادية مذهلة.

نحن نتحدث هنا، عن خمسة ملايين ونحو 800 ألف كم مربع، تشكل 42 بالمئة من إجمالي مساحة الـوطن العـربي، لـديها شريط ساحلي يزيد عن خمسة آلاف وخمسمئة كيلومتر. لكن مساحة الأرض المزروعة، لا تزال صغيرة بالنسبة إلى المساحة الجملية وفي حاجة إلى عملية توسع زراعي، ولدى الدول المغاربية ثروات النفط والغاز في كل من ليبيا والجزائر، والفوسفات والحديد والرصاص في المغرب وتونس وموريتانيا.

كذلك فإن لدى الدول المغاربية، احتياطيا من الثروات في باطن الأرض، بلغ في المغرب 34 بالمئة من احتياطي الفوسفات في العالم، وهناك تنوع في مصادر الدخل من خلال الإنتاج الزراعي والمحاصيل الاقتصادية، كالزيتون والحمضيات والتمور، وفي موريتانيا الصيد البحري.

في حراك الريف المغربي، كان المجتمع المغربي برمته، معنياً بمطالب الحسيمة لأنها مطالب متخطية للجهوية، وتدغدغ أحاسيس المغاربة بأسرهم.

وفي محاذاة الحراك، تنشط قوى نخبوية وإن لم تكن قادرة، بأطرها وأحزابها، على استيعاب حركة الجماهير الشعبية.

وازداد التعاطف الشعبي مع الحراك، عندما اشتملت وثيقة المطالب على بنود تعنى بمصالح جميع المغاربة، وتُذكّر الدولة بحركة فبراير من العام 2011 التي نجح القصر في استيعابها بمنطق رصين، لم يطل حتى الآن، السياسات الاجتماعية والاقتصادية.

المحتجون في الريف، يطالبون بما كان ينبغي على الأوروبيين المساعدة عليه، لأنهم مستفيدون من الإسهام في التطوير، فهم لا يجهلون الأهمية الجيوسياسية للمغرب، أو أهميتها لتخفيف المخاطر الأمنية على مقربة من القارة الأفريقية.

وهنا، يمكن استذكار ما قاله ويليام بيري، وزير الدفاع الأميركي في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، إن خط الدفاع الأمني الأمامي للولايات المتحدة، انتقل من وسط القارة الأوروبية إلى غربي منطقتها الجنوبية، ومعها الطرف الغربي من أقصى غرب الضفة الجنوبية للمتوسط.

وكان الأوروبيون، قد أعلنوا عزمهم على مواجهة ظاهرة الهجرة المغاربية عن طريق التعاون التنموي. فقد تفشت ظواهر المخدرات والإرهاب وأعمال الخدمات للهجرة غير الشرعية وما يسمى الهجرة السرية أو المتحايلة.

ولدى الأوروبيين فهم لضرورة التنمية الشاملة في الأقطار المغاربية، لتحاشي هذه الظواهر أو التقليل منها، وباتت التنمية في بلدان المهاجرين والراغبين في الهجرة، هي الوسيلة الوحيدة، لوقف تنامي ظاهرة الهجرة.

فالسبب الاقتصادي هـو السبب الجـوهري لركوب البحر هربا من الفاقة. فلا يعقل، أن يصبح النشاط الزراعي الرئيسي، في مناطق الحراك، هو إنتاج القنّب الهندي، مادة الماريجوانا (البانغو) وأن يكون هذا الإنتاج، وسيلة تحقيق الكفاية في المعيشة لدى مواطن الريف، ثم ليصبح من بين المطالب الشعبية وقف ملاحقة الدولة لمن يزرعون القنّب الهندي ويقومون بتسويق “البانغو”.

فتلك “سلعة” تعتاش منها آلاف الأسر التي لن تقلع عن العمل فيها، قبل أن تتوفر الأعمال البديلة في إطار خطة تنموية. فلم يكن صعباً أن يتعاون الأوروبيون مع الدولة المغربية، لاستغلال القدرات الفلاحية للمنطقة، في تحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء، وإنتاج السلع الاقتصادية، وتعديل الاختلالات في قطاع الصيد البحري.

وكان صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الأوروبيين الذين وضعوا محددات تنظيم الاستثمار؛ قد فرض على المغرب، إجراءات اقتصادية ظالمة، تحت عنوان “اللبرلة”، وأصبحت تلك الإجراءات كالعادة، سبباً في مفاقمة الوضع الاقتصادي في المجتمع المغربي وتعميق فقر الفقراء.