صالح والحوثيون... «مناوشات» في اتجاه الحرب السابعة!

 صالح القلاب

 «اللهم اجعل كيدهم في نحورهم» فانفراط عقد تحالف علي عبد الله صالح مع «الحوثيين» كان متوقعاً منذ البدايات والسبب أنَّ كلا الطرفين كان همه الاستحواذ على السلطة، وأنه كان قد تحالف مع الآخر لإقصائه في النهاية، وهذا ما بدأ يحصل الآن حيث اتهم عبد الملك الحوثي حزب المؤتمر العام بأنه يطعنه في الظهر وأنه يمارس «ابتزازاً» سياسياً ضده، والمعروف أن هذين الحليفين كانا قد خاضا ست حروب طاحنة ضد بعضها بعضاً، قبل أن يجمعهما العداء لـ«الشرعية اليمنية» وقبل أن «توحدهما» التدخلات الخارجية وأخطرها التدخل الإيراني وتدخل بعض الدول الخليجية... والمقصود هنا هذه الحكومة القطرية تحديداً التي ثبت أن قدميها كانتا في دائرة التحالف الخليجي وقلبها كان ولا يزال هناك عند الولي الفقيه في طهران!.

حتى بعدما أزاحته انتفاضة الشعب اليمني، وبعد أن وقع على صك التنحي تحت ضغط «الأمر الواقع» فقد اتضح أن علي عبد الله صالح كان مرتبطاً بمؤامرة عنوانها إشغال المملكة العربية السعودية عما يجري في العراق وفي سوريا وأيضاً في ليبيا ولبنان، وحيث إن التدخل الإيراني السافر كان وصل إلى حد الاحتلال العسكري المباشر الذي لا يزال قائماً وماثلاً للعيان في بعض هذه الدول وبخاصة الدولة السورية.
ربما لاحظ البعض أن علي عبد الله صالح قد ظهرت عليه نوايا «الخيانة» والارتداد عما تم الاتفاق عليه، وهو يوقع في الرياض نص حل «المبادرة الخليجية» الذي كان هدفه تجنيب اليمن العواصف الهوجاء التي بدأت تضرب الكثير من دول هذه المنطقة والتي كان واضح جداً أنَّ «الحوثيين» كانوا يستعدون لركوب أمواجها العالية اعتماداً على إيران... الولي الفقيه وحراس الثورة و«حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية.
لم يكن علي عبد الله صالح صادقاً عندما وقع وثيقة المبادرة الخليجية، فهو وبمجرد عودته إلى صنعاء بدأ يعد العدة للانقلاب على كل ما وقع عليه، وحيث كان تحالفه مع «الحوثيين»، ذروة الانتهازية السياسية والحقيقة أنه ومنذ البدايات منذ تلك الفترة المبكرة جداً، كان كل واحد من هذين الطرفين يخبئ تحت ثيابه للآخر خنجراً مسموماً، وأنه كان يستعد للانقضاض عليه والواضح أن هذه اللحظة المتوقعة إن لم تكن قد حانت بالفعل، فإنها أصبحت قريبة جداً والدليل على هذا هو اشتداد الحرب الكلامية، التي تدور رحاها الآن بين ما يمكن اعتبارهم: الحلفاء - الأعداء!
وعودة إلى البدايات فإن مما لا شك فيه أن الحوثيين والإيرانيين وبعض الخليجيين والعرب، كانوا يعرفون أن علي عبد الله صالح عندما وافق على المبادرة الخليجية، التي جرت مراسم توقيعها في الرياض في الثالث والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 برعاية العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز طيب الله ثراه، كان مصمماً على الانقلاب عليها، والحقيقة أنه غير مستبعد أنه كان قد اتفق مسبقاً مع الإيرانيين، وبالطبع مع «الحوثيين» ومع بعض الدول العربية وإحداها دولة خليجية على كل ما جرى وما قام به لاحقاً بدءاً بمحاولة الإطاحة بنائبه عبد ربه منصور هادي، الذي أصبح وفقاً لهذه المبادرة رئيساً «شرفيا» لمدة تسعين يوماً، وعلى أن تشكل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية تتفق عليها المعارضة اليمنية.
والمستغرب أن علي عبد الله صالح، الذي وفقاً لمسيرته، حتى قبل أن يصل إلى الحكم ويبقى فيه كل هذه الفترة الطويلة، قد عرف بألاعيبه ومناوراته «الشيطانية» لم يفته أن يعلن في كلمته أمام حضور مراسيم توقيع «المبادرة الخليجية»، الذين كان على رأسهم العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، بأنه ليس المهم التوقيع، ولكن حسن النوايا والبدء بعمل جاد ومخلص لشراكة حقيقية لإعادة بناء ما خلفته «الأزمة» وكان يقصد الانتفاضة الشعبية التي كانت انطلقت مع بدايات انتفاضة «الربيع العربي» الذي كان بدأ في تونس في عام 2011 بعد تلك الحادثة المؤلمة المعروفة.
ثم إن الأكثر غرابة هو أن هذا الرجل المراوغ والمناور قد دعا في نهاية كلمته إلى مراقبة تنفيذ هذه المبادرة وآلياتها وقال: وسأكون من المتعاونين الرئيسيين مع حكومة الائتلاف المقبلة... وإنني منذ عام 1990 أعلن التزامي بالتبادل السلمي للسلطة وبطرق سلسة وديمقراطية وعبر التعددية السياسية الحزبية وحرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان والمرأة!
وبالطبع فإنه لم يفته، وهو يضمر شراً لكل هذا الذي وقع عليه، وهو في داخله عازم على القيام بكل هذا الذي قام به، أن يعتبر مجدداً ومرة أخرى أن ما بقي يحدث في اليمن منذ نحو عشرة شهور في ذلك الحين يعد انقلاباً على «الدستور» أدى إلى تصدعٍ في الوحدة الوطنية وتدميرٍ لما بني في الفترة الماضية.
ولعل ما دل على طيب نوايا الذين حضروا مراسم توقيع هذه المبادرة الخليجية والذين قرأوها أو سمعوا عنها، أن العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز قد قال إن «صفحة جديدة تبدأ اليوم في تاريخ هذا البلد (اليمن)». وإن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد أصدر بياناً مكتوباً قال فيه إن «الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب اليمني، مع بدء عملية الانتقال التاريخية هذه... وإنه على مدى عشرة شهور قد أعرب الشعب اليمني بكل شجاعة وصمود عن مطالبه بالتغيير وفي مختلف مدن اليمن وفي مواجهة العنف والمصاعب الشديدة... إن اتفاق اليوم هو خطوة مهمة تقرب اليمنيين وبشكل كبير من تطلعاتهم ببداية جديدة في بلدهم (اليمن)».
والغريب أيضاً أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون قد قال، وكأنه يستشرف المستقبل ويتوقع كل هذا الذي جرى منذ الانقلاب على الشرعية اليمنية وحتى الآن، إن «صالح بعد توقيع المبادرة الخليجية سيتوجه إلى نيويورك للعلاج الطبي... وإنه أبلغني وبوضوح أنه سيسلم السلطات كلها... لكنني علمت أن الترتيب والاتفاق ينصان على أنه سيبقى رئيساً»!!.
وهكذا فإن ما تجدر الإشارة إليه، وما يجب التوقف عنده والإمعان فيه بعد كل هذه الفترة الطويلة هو أن قطر، التي انتهت إلى ما هي عليه الآن من ابتعاد عن مجلس التعاون الخليجي والتحاقٍ معلن بإيران وبكل من هم مع إيران، قد انسحبت من هذه المبادرة الخليجية، بحجة أنها تنص على انتقال السلطة (اليمنية) من الرئيس إلى نائبه، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإدارة مرحلة انتقالية يتم حوارٌ خلالها من أجل حلِّ المشاكل اليمنية الرئيسية!
والواضح أن علي عبد الله صالح، الذي يعتبره أتباعه ومحازبوه وأنصاره «مناوراً بارعاً» والحقيقة أنه «متآمر ومخادع»، لم يكن يتوقع أن يكون الرد عليه وعلى أعدائه السابقين وحلفائه اللاحقين، بعد الانقلاب على الشرعية اليمنية ومحاولة التخلص من رمزها الحالي الرئيس عبد ربه منصور هادي، بـ«عاصفة الحزم» التي كان قرارها في منتهى الشجاعة، والتي لولاها لكان اليمن الآن تحت السيطرة الإيرانية الكاملة، وعلى غرار ما هو عليه الوضع الآن في سوريا وفي ضاحية بيروت الجنوبية... وفي العراق قبل هذه اليقظة القومية - العروبية الأخيرة، ولكان مجلس التعاون الخليجي قد أصبح نسياً منسياً، ولكانت معظم الدول الخليجية تحت السيطرة الإيرانية إن ليس المباشرة فغير المباشرة.
والمهم في النهاية أنه حتى لو مرت هذه الأزمة الطاحنة، التي كانت متوقعة منذ البدايات، التي عصفت مؤخراً بتحالف علي عبد الله صالح والحوثيين من دون مواجهة ساخنة قد تنتهي بالصدام العسكري، وعلى غرار ما حصل خلال ست حروب سابقة، فإن هذه المواجهة باتت مقبلة لا محالة، وإن الطلاق السياسي بين أعداء الأمس أصبح لا بد منه، وإنه غير مستبعد أن هذا، الذي يعتبره أتباعه مناوراً بارعاً، قد لجأ إلى التصعيد مع «حلفائه» وربما مع إيران لاحقاً من أجل تسويق نفسه مجدداً في المنطقة العربية واستدراج العون الذين يريده للقضاء على هؤلاء الحلفاء... وهكذا وفي كل الأحوال فإن المفترض أن يكون «استعراض» اليوم العسكري في ميدان السبعين في صنعاء استعراض موازين قوى بين علي عبد الله صالح وحزبه وبين الحوثيين ومعهم «حزب الله» اللبناني والحشد الشعبي العراقي والكثير من التنظيمات المذهبية الإيرانية والأفغانية... والعراقية وقبل الجميع حراس الثورة الإيرانية.