سمير عطا الله

كان سعيد عقل مجموعة متناقضات يرى هو فيها انسجام السيمفونية المتعددة الأصوات. وعلى طريقته، كان يردد «أنا أكبر شاعر في العربية» ثم ينطلق للدفاع عن «اللغا اللبنانيي» باعتبارها شخصية لبنان، وتراثه.
كان يقال إنه ماروني جبلي متعصب، لكن أروع قصائده كانت «غنيت مكة». وقد منح جائزته الأدبية لنحو 300 شخص، كان أولهم المهندس زهدي عيسى لبنائه «مائة مئذنة مسجد زادت من جمالات لبنان». ومنها للشيخ نجيب علم الدين، أحد صنّاع النهضة الاقتصادية، كما منحها للفنان حسن علاء الدين، أو شوشو، رائد الكوميديا والدراما في المسرح المعاصر.
وراح خلال مرحلة طويلة يدعو إلى العلوم، ويمتدح تقدم الاتحاد السوفياتي حتى ظنه الشيوعيون مناصراً لهم، وأعداء الشيوعية أعداء لهم. لكنه ما لبث أن وقف يعلن أن ثلاثة شوهوا الجمال الإنساني: كارل ماركس وبيكاسو والعالِم النمساوي سيغموند فرويد.
قبل أيام أقامت زحلة، مدينة الشاعر الذي تجاوز الرابعة بعد المائة، حفلاً تكريمياً له. وألقى كلمة المهرجان زحلي آخر هو الشاعر جوزيف صايغ. وعندما طلبت إليه اللجنة وضع قصيدة المناسبة، قال: «ماذا ترك لنا سعيد عقل نقول فيه؟ لم يترك شيئاً لم يقله في نفسه».
لكن الذي قال: «أنا أكبر شاعر بالعربية، قال للدكتور كمال ديب (تاريخ لبنان الثقافي): لست سوى شاعر متواضع، ليس بالمعنى الشعبي السائد للشاعر، بل بالمعنى الفلسفي الذي حدده اليونان».
كان سعيد عقل «الانعزالي الشوفيني» معجباً بأدباء مصر، يقيم مودات مع كبارها أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم. وكان يتردد كثيراً على مصر، رغم الموقف الناصري منه. وذات مرة كان يحضر مهرجان تكريم عزيز أباظة، وفيما كان الشاعر الأردني عبد المنعم الرفاعي يلقي قصيدته، صاح أحد الحضور طرباً «الله يا أمير الشعراء». فقاطعه الرفاعي من على المنبر «أرجوك. نحن في حضرة سعيد عقل».
كانت مشاعري حيال سعيد عقل، شبيهة بتناقضاته. أحب شعره العربي الفائق الجمال، ولا أصدق أن من يبدع هذه الموسيقى يدعو إلى الاستغناء عنها. ومن يكتب نشيد «العروة الوثقى» يندد بالعروبة.