علي سعد الموسى

علمنا أستاذ الحرف الراقي المرحوم، غازي القصيبي، أن يرتفع القلم عن مناقشة من لا تمكنه الظروف من حق الرد. لكن الأخ الصديق جمال خاشقجي يتمتع في مهجره الاختياري بفضاء حر مفتوح. قرأت له بالأمس مقاله بصحيفة واشنطن بوست،

وأنا هنا أبداً لا أرد على المقال. أنا أطلب من أخي جمال أن يعطيني مفتاحاً لفهم شخصية زميل مرحلة ورحلة لفك طلاسم كل هذا القفز من نقيض إلى نقيض. من مدرسة إلى الأخرى. صوت الليبرالية في الصباح ولسان الاعتدال والوسطية عند الظهر وقلم الإخوان أو حتى السلفية عند المساء. خذ مثلاً، قبل أن نبدأ بقية الأمثلة أنه انبرى بالأمس دفاعاً عما رآه اعتقالاً لحريات التعبير، وهم بالتقريب نفس المدرسة والأفكار التي وصف رموزها بـ«صناع الكوابيس» في أحد أشهر مقالاته التاريخية. كيف أقرأ ما تكتبه وتغرد به وتصرح به اليوم ثم أقلب صفحة الأمس إلى ذلك المقال؟ هل هي نفس الأصابع وذات الدماغ التي كتبت تناقضات المقالين؟ ألم تكن أنت، أخي العزيز، أبا صلاح، من كتب المقالات الثلاثة الشهيرة في وجه الشيخ الداعية الشهير، عندما تحدث عن ظاهرة «اختلاط» ويومها كنت لنا رئيس التحرير الذي يفتح لقلمه ما شاء من صفحاتها بينما خصم القضية بلا أي منبر. ثم تأتي إلينا بالأمس تنادي بحرية التعبير؟ ولن أكذب أو أتجمل: كنت معك ولازلت عندما كتبت «صناع الكوابيس» وعندما أفردت المساحة للمقالات الثلاثة تنديداً برؤية ذلك الشيخ. المشكلة أنك تقفز من شجرة إلى الأخرى بسرعة فائقة لم نستطع نحن طلاب ذات المدرسة أن نفهم منها أسئلة الرأي: كيف، ولماذا، ناهيك عن..... متى...... التي تتغير بسرعة الضوء الخارقة. أنا وأنت نعلم الحقيقة أن التيار الذي تهب للدفاع عنه في مقال الأمس هو ذات التيار ونفس المدرسة التي حاربت وجودك في رئاسة تحرير هذه الصحيفة لمرتين وابتهجت لرحيلك في المرتين. ومع هذا سأشهد للتاريخ أنني كنت سعيداً جداً بالكتابة معكم وممتناً لثقافتكم الواسعة الممزوجة بخلق نبيل. تعلمنا سوياً فضيلة الاختلاف في الرأي لكنني وللحق لم أستوعب نقائض القفز من رأي إلى النقيض.
وأنا كزميل مرحلة لا أطلب إلا مفتاح المدخل لفهم النقائض: كيف كنتم، أخي، أروع صحافي في حوار أسامة بن لادن وبقية زمرته؟ ثم كيف انتقلتم إلى المركب المقابل كذراع ثقافي وإعلامي كمستشار استخبارات في نفس المرحلة الحرجة المضطربة؟ كيف عملتم، أخي، في كوكب صحيفة «المسلمون» بتوجهاتها المعروفة ثم انتقلتم إلى النقيض، رئيساً لتحرير «الوطن» التي وصفتها في مقال الأمس بالتقدمية أو التنويرية؟ كيف حاربتم من على منبر هذه الصحيفة أفكار كل الأحزاب والجماعات وأجزتم نشر مئات المقالات؟ ثم كيف تفرغت لكتابة مخطوطكم الضخم «الربيع العربي: زمن الإخوان المسلمين»؟ كل هذه التناقضات والتحولات المتسارعة وكل هذا القفز من مربع ثم العودة تماماً إليه في ذات العام لم أفهمه.
انتهت المساحة ولا زال لدي عشرات الأمثلة. أكتب الجملة الأخيرة ضاحكاً.. وكم كتبتها من قبل إليك. لك ودي وتحياتي.