عزة السبيعي

ذات يوم في الطائرة أبدت طفلة مصرية صغيرة إعجابها بجدة، وهي تطل عليها من النافذة، فهمست أمها بصوت رقيق معلم جدة جميلة، لكن مش أحلى من مصر صح، فردت الطفلة صح.
‎في الحقيقة المصريون مدرسة في التعبير عن ولائهم وحبهم لمصر، وأظننا هذا العام غلبناهم في ذلك، ربما لأننا مررنا بمعارك حقيقية بينت قيمة الوطن وقيمة اتحادنا. 

‎انتصرنا في معركتنا مع الإرهاب، وانتصرنا إلى حد ما اقتصاديا، وأسقطنا أعداء الوطن إعلاميا، وكشفنا مؤامرات ضد وطننا، وأثبت الناس أنه لا طريق إلى اختراقهم. 
‎لكن هل الوطنية هي تعبير، كلام، أغان، أم هناك أيضا شيء آخر أكثر عمقا. هل عندما تترك الشركات ورجال الأعمال الوطن ليصفق بيد واحدة ليرعى رقما كبيرا من الفقراء وذوي الاحتياجات وكبار السن والشباب دون مبادرات حقيقية منهم تخفف ثقل المسؤولية على القيادة، أو عندما تضيف أعباء على الحكومة بزيادة نسب البطالة عندما تفصل موظفين سعوديين، أو التحايل في التوظيف، وأحيانا كثيرة في وضع العوائق أمام الشاب السعودي، هل يؤثر ذلك على صدق وعمق وطنيتهم؟ 
‎إذا كانت الإجابة نعم فأين مبادراتهم؟ لماذا لا نرى مشاريع باسم مؤسساتهم للرعاية الاجتماعية والمنح الدراسية للشباب السعودي؟
‎أما الأفراد فإن لدينا نسبة كبيرة من أبناء الوطن قادرة على المساهمة في رقيه وحضارته، ليس فقط في أداء ما هو مطلوب منها واحترام العمل والجد والاجتهاد، ولكن أيضا القيام بمبادرات تسنده، القادرون يجب أن يقدموا شيئا لوطنهم. 
‎في العام الماضي كنت أشاهد برنامجا تلفزيونيا يجمع تبرعات لإنشاء وقف للتحفيظ، وبلغ المبلغ ثلاثين مليونا لإنشاء مدرسة تحفيظ، وسكن لمعلميه في محافظة نائية. 
‎ثلاثون مليونا بإمكانها أن تبني عشرات الوحدات السكنية الصغيرة للمطلقات والأرامل وأسر ذوي الاحتياجات في هذه المحافظة، ولا أظن أن الحكومة ستمانع في منح الأرض مجانا متى بادر أحد وَقاد عملية التبرع، لكن لو عرضت مثل هذا المشروع لقالوا لك «ليش وين الحكومة عنهم»؟ 
إنهم لا يعتبرون هذا عملا خيريا، رغم أنك تستر به نساء المسلمين المحتاجات وهن بنات بلدك، مساهمتك ستجعل الحكومة تتفرغ لفقراء آخرين.
يؤسفني أن أرى ثقافة تناقض الوطنية تسري بين بعض المواطنين، وهي تصور لهم أن كل شيء يجب أن تقوم به الحكومة، هذه الثقافة لا تجدها في دول غنية جدا مثل بريطانيا، والتي لا تخلو جامعة فيها من مبان أنشأها رجال أعمال تبرعا أو منحا علمية، بل هناك أفراد يتبرعون بوقتهم لمساعدة المؤسسات الاجتماعية بلا مقابل كواجب وطني.
هناك جمل عديدة تؤكد حقيقة، وهي أن الحب فعل، وليس كلاما أو أغاني أو شعارات، وهؤلاء أرادوا تأكيدها.