حسين شبكشي

 دخل الاستفتاء في كردستان إلى مناطق حرجة وحساسة. فهذا الإقليم الذي عرف استقراراً ولغة وعلماً وحدوداً وبرلماناً وبيشمركة ودخلاً اقتصادياً مستقلاً، ومع ذلك أصرّ على إجراء الاستفتاء على الاستقلال، ووتر أجواء جيرانه في تركيا وسوريا وإيران، وفتح على نفسه أبواب جهنم السياسية بلا حدود.

ولعل ما يحصل اليوم في إقليم كردستان هو فشل تام وشامل لمشروع وفكرة المواطنة الكاملة والهوية الشاملة للمواطنة في العالم العربي، وبروز الهوية الأصغر والأضيق.
فشل الدولة في احتواء التنوع الثري في المكون الاجتماعي فيها والسماح باستقواء البعض على الآخر، وخلقت بالتالي هذه الحالة «الانفصالية» لأنها أوجدت الذرائع بالإحساس بالمظلومية، وبالتالي دعم طلب الانفصال والاستقلال.
علاقة العرب بالأكراد علاقة فيها كثير من الشد والجذب، فهم عادة ما يتغنون بأمجاد وبطولات القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي ويعتبرونه بطلاً «قومياً» خارقاً وأسطورياً وعابراً للحدود، ولا يذكرون دوماً أنه في حقيقة الأمر هويته، وأنه «كردي» بل يزيدون من نقش مكانته في ذاكرة «الأمة» وتقام له المهرجانات وتلقى القصائد وتعرض الأفلام وتدشن الميادين والشوارع والتماثيل تنصب هي الأخرى باسمه وتمجد في إنجازاته.
الهوية الفردية الطاغية هي الثغرة التي سمحت بظهور حاجة الأقليات لاستقلالهم، وهي النقاط التي وعت لها وأدركتها دول العالم الجديد مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والبرازيل وحتى الدول الإسكندنافية كلها أوجدت دساتير شاملة حقوقاً تضمن المساواة الكاملة في حقوق المواطنة، وضمنت بالتالي الانتماء ومعها تحقق تلقائياً الولاء.
استفتاء كردستان يظهر الخلل العظيم في دول جوارها الثلاث؛ سوريا وتركيا وإيران، من احتواء الأكراد ومنحهم حقوق المواطنة الكاملة بعد عهود طويلة جداً من الوعود المضللة والأساليب القمعية والمعاملات الظالمة. وبالتالي كان الاستفتاء نتيجة طبيعية.
السؤال هو أن الإقليم قابل للتمدد وسيكون على حساب تركيا وسوريا وإيران، فهل «سيسمح» له بذلك؟ وكيف ومتى وبأي ثمن؟ هذه هي الأسئلة الصعبة التي تأتي مع هذا الاستفتاء، فالفرحة بإنجازه بالنسبة لبارزاني القائد الكردي الذي ناضل لأجل هذه اللحظة لا بد أن يعيش لحظات قلق كبيرة جداً لما هو مقبل. فالمستقبل الأمني والاقتصادي فيهما كثير من علامات الاستفهام، وبالتالي دواعي الخوف والقلق والشك.
الأيام المقبلة ستكون مليئة بالمفاجآت والحراك المضاد. الاستقلال هو بداية لولادة عسيرة جداً ومليئة بالآلام.