جيري ماهر

إن المتابع للأحداث السياسية الجارية في لبنان يصاب بالإعياء والاستياء بسبب هذا التخبط والتخريف في العلاقات مع الدول والبيانات الصادرة عن هذا الرئيس وذلك الوزير، فتشعر أن لبنان ليس جمهورية واحدة، بل عدة جمهوريات يحكمها رئيس باع مؤسسات الدولة اللبنانية لإيران وحزب الله، وأعاد الوصاية السورية إلى لبنان من بوابة مختلفة، وأصبح لسورية وزيرا خارجية،

الأول وليد المعلم والثاني ذلك القادم من المجهول وغير معلوم التاريخ جبران باسيل الذي فتحت له الأبواب بعد أن تزوج من ابنة ميشال عون وعينه وزيرا في وزارة هنا وأخرى هناك.
ميشال عون هو الرئيس الحالي للجمهورية اللبنانية، ومن لا يعرف تاريخ الرجل عليه العودة إلى الوراء وقراءة الأحداث سيجد أنه ليس غريبا عليه الترويج ليلا نهارا لحزب الله وسلاحه، والتقليل من احترام المؤسسة العسكرية اللبنانية، فهذا القائد السابق للجيش قام بالفرار من المعركة بمواجهة جيش حافظ الأسد، وترك عناصره وضباطه ليلقوا حتفهم ويتم أسر عدد كبير منهم وإعدامهم، بينما كان ملجأ السفارة الفرنسية مخبأه قبل الترحيل إلى فرنسا ليعيش لاجئا فيها لسنوات.


في آخر المقابلات معه قال ميشال عون «إن الاستراتيجية اللبنانية حيال الحرب في سورية هي الحفاظ على حدودنا اللبنانية لحماية أنفسنا من الإرهاب، والنأي بالنفس عن المسائل السياسية الداخلية لسورية». وهنا نسأله عن هذه الاستراتيجية التي تسمح لحزب الله بالمشاركة في تلك الحرب، والتدخل بالمسائل السياسية الداخلية لسورية، وكيف يحاول شبه رئيس الجمهورية أن يفبرك ويزور الحقائق ويستغبي الشعوب التي تعرف كيف كان لبنان مشاركا في تلك الحرب عبر سكوته عن تدخل الحزب في سورية، وقتله آلاف السوريين دون أي رادع، مما يجعله شريكا في جرائم الحرب التي ارتكبت هناك بشكل مباشر أو غير مباشر! في ذات المقابلة التي أجراها معه الصحفي رونو جيرار في صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية، ونشرتها الصحيفة «أكد عون أنه لا يندم على أي شيء، وأنه يدعو اللبنانيين إلى العودة إلى لبنان وإيجاد فرص عمل فيه»، فعن أي فرص عمل يتحدث الجنرال ولبنان يعاني من أسوأ وضع اقتصادي بسبب حليفه حزب الله الذي يغرق البلد بالفساد والإرهاب والمخدرات والخطف والقتل والتهريب والتزوير؟ أما عن التفاهم الذي وقّعه مع حزب الله الإرهابي فقال عون: «في التفاهم نقاط عدة أولا، أن على اللبنانيين أن يعالجوا مشاكلهم الداخلية عن طريق الحوار، وفقط عن طريق الحوار، في جو من الشفافية والصراحة». وهنا نسأل الرئيس عون عن كيفية معالجة حليفه الإرهابي حزب الله لأزمة الخامس من مايو 2008 والتي لم تكن بالحوار، بل بالرصاص والقتل والإرهاب عبر اجتياح بيروت والجبل وقتل وجرح العشرات من اللبنانيين وحرق مؤسسات إعلامية ومكاتب حزبية، فكيف يستطيع الاستمرار بتجميل حزب إرهابي بهذه الدرجة العالية من الوقاحة! وقيل لعون إن كل الميليشيات اللبنانية نزعت أسلحتها مع نهاية الحرب الأهلية التي امتدت من عام 1975 وحتى 1990، لماذا لا تطلبون من حزب الله أن ينزع سلاحه أيضا؟ أجاب: «أن حزب الله لا يستخدم أسلحته في السياسة الداخلية، وهذه الأسلحة ليست إلا لضمان مقاومتنا للكيان الإسرائيلي الذي لا يزال يحتل جزءا من أرضنا، وهي نحو 30 كلم مربع في مزارع شبعا! وهنا أيضا نكرر السؤال عن عامة ما حصل في السابع من مايو عام 2008، وعن دور سلاح حزب الله في سورية والعراق واليمن والبحرين، حيث لا يوجد أي جنود إسرائيليين أو احتلال لأرض لبنان من قبل هذه الدول التي قام حزب الله بالعمل مع إيران على زعزعة استقرارها وأمنها، فكيف يكون سلاح حزب الله موجودا لضمان مقاومة إسرائيل وهو لم يتجرأ على الرد على أي غارة إسرائيلية استهدفته في سورية أو لبنان منذ 2006 وحتى اليوم؟


يبدو أن ميشال عون ومنذ تحالفه مع حزب الله تخطاهم بالنفاق والتزوير والتقية، وهي من أهم صفات حزب الله ومن خلفه إيران، فتحول هذا الجنرال السابق للجيش إلى ناطق رسمي باسم هذا التنظيم الخبيث، وكل ذلك من أجل المصالح التي يبحث عنها وأبرزها وصوله إلى بعبدا رئيسا، وتوزير صهره وأقربائه في مؤسسات الدولة اللبنانية على حساب النظام العام والمصلحة العليا للشعب اللبناني، وعلاقته مع الدول العربية التي يحرض حزب الله عليها ليلا نهارا ويسعى إلى زعزعة أمنها دون أي رد فعل من هذا المسمى رئيسا للجمهورية اللبنانية! وردا على سؤال عن مصير اتفاقية «دوناس» التي تم التفاوض بشأنها مع الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، والتي كانت بخصوص تسليم أسلحة فرنسية إلى الجيش اللبناني بتمويل من المملكة العربية السعودية بقيمة 4 مليارات دولار، أجاب: «لقد عادت المملكة العربية السعودية عن توقيعها ولم تطبق هذه الاتفاقية»، وعندما سأله الصحفي إذا كان يشعر بالندم على ما حصل وأدى إلى وقف الصفقة والهبة السعودية أجاب بوقاحة معهودة عن كل من يسير بالفلك الإيراني «لا، لا أنا لا أندم على شيء». أما آخر إنجازات جبران باسيل زوج ابنة الرئيس ووزير الخارجية فكانت لقاءه على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بنظيره السوري وليد المعلم، وقد أصر باسيل خلال اللقاء على التأكيد أن الاجتماع حصل بين الرجلين بصفتهما الرسمية وليس الشخصية، وهذا ما يعتبر تطبيعا مع نظام مجرم قتل عشرات الآلاف من السوريين وقبلهم اللبنانيون، ويعتبر من أكبر الرعاة للإرهاب في المنطقة والتحريض على الدول العربية وأنظمتها، فهل يمكن أن يجد أي لبناني اليوم أن في لبنان رئيسا قويا ووزير خارجية يمثل سياسة الشعب اللبناني بكافة فئاته؟
إن الخطر الذي يمثله التيار الوطني الحر بقيادته السابقة والحالية أصبح أكبر بكثير من خطر العدو الصهيوني نفسه على لبنان، وإن السياسة التي يتبعها هذا الحزب ستسهم بشكل كبير وسريع في تحويل لبنان إلى مستعمرة إيرانية صغيرة يقودها مرشد يعينه الولي الفقيه، وكل هذا حصل ويحصل من أجل تحقيق مصالح هذا التيار وسياسيين يندرجون تحته، ولم يكونوا يوما إلا من أصحاب الأطماع والمصالح، وعند أول عرض تلقوه من النظام السوري وحزب الله باعوا لبنان ووضعوا صليبهم جانبا وأصبحوا من رواد الحسينيات باسم العيش المشترك، ووشموا اسم الحسين على أجسادهم ولفوا علم حزب الله على رقابهم، ووضعوا صور حسن نصرالله على مسابحهم، وأصبحت عاشوراء مناسبة لهم ليظهروا الولاء لحزب الله وإيران عبر إرسال مئات العونيين إلى مجالس العزاء للبكاء واللطم والإنشاد باسم ورقة التفاهم بينهم وبين الحزب!
إن خلاص لبنان يبدأ بالتخلص من أمثال هؤلاء وحصارهم وتجميد أموالهم في المصارف، ومحاصرة رجال الأعمال التابعين لهم في الخليج العربي أولا، لأنهم يعملون على تشغيل ملايين الدولارات لحزب الله بغطاء عوني برتقالي حاقد على بلاد العرب والمسلمين، منذ تأسيسه ودورانه لاحقا في الفلك الإيراني.