مأمون كيوان

يشير سجل المحاولات الإسرائيلية لاستغلال قضايا الأقليات والصراعات الداخلية في الدول العربية إلى محدودية مكاسبها من جهة، ومن جهة أخرى، وضع القوى التي استقوت بإسرائيل في منزلة «براقش التي جنت على نفسها»

يثير التأييد الإسرائيلي اللافت لاستفتاء أكراد العراق على الانفصال عن العراق رزمة أسئلة لا تتعلق فقط بمكاسب إسرائيل بل بالفوائد التي سيحصدها أكراد العراق من هذا التأييد الإسرائيلي، وهو التأييد الذي لا يستمد صدقيته من كونه شكلاً من أشكال الدعم الأخلاقي، بل هو دعم له مبرراته السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى.
ولقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في مقدمة الذين أظهروا هذا التأييد السياسي، فقد أعلن مؤخراً، أن إسرائيل تؤيد جهود الشعب الكردي المشروعة لقيام دولته. وكان نتانياهو قد عبر في عام 2014 عن دعمه لتطلعات الأكراد إلى الاستقلال، وقال إنهم يستحقون «الاستقلال السياسي».
وزعمت عضو الكنيست كاسنيا سفاتلوفا أن كثيرا من الأكراد يرون في إسرائيل نموذجا وقدوة لدولتهم العتيدة، وآجلا أم عاجلا، الدولة الكردية ستقوم، ومن المناسب جدا أن تكون هذه الدولة حليفة لإسرائيل، إذ إن ظهورها في الساحة الشرق أوسطية سيغير من الأساس منظومة القوى، وسيخلق فرصا جديدة.. ولكنها طرحت السؤال التالي: «كيف يمكن لإسرائيل أن تساعد الأكراد إذا نشبت حرب، وحوصر الأكراد من القوات الشيعية في العراق وحلفائهم في إيران؟» وأشارت إلى أنه «على الأكراد أن يستعدوا للاحتمال الأسوأ، وهو تحول يوم الاستفتاء الشعبي من يوم عيد إلى يوم حداد، إذا قررت الحكومة العراقية دفع قوات الجيش والمنظمات الشيعية المسلحة كالحشد الشعبي إلى كركوك. كما يمكن لإيران أن تقصف السدود، ويمكن لتركيا أن توقف توريد المنتجات الغذائية التي تستوردها كردستان». 
ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن انهيار نظام سايكس - بيكو القديم وتفكك الجمهوريات العربية في المنطقة يفرضان على إسرائيل تحديد تفاعلها مع الأحداث الإقليمية انطلاقاً من نظرة تتطلع نحو المستقبل. والشعب الكردي - الذي يبلغ تعداده ما بين 30 و35 مليون شخص- قوة معتدلة لم تتبنّ يوماً نظرة أو خطاباً معادياً لإسرائيل، بل ترى فيها مصدر إلهام لما يمكن أن يكون عليه مستقبل كردستان، والتحالف مع الأكراد هو تحالف طبيعي بين أقليات غير عربية في المنطقة، ولكنه حليف لإسرائيل من وجهة النظر الإسرائيلية الاستراتيجية بعيدة المدى. 
إقامة الدولة الكردية، على مناطق كبيرة من العراق المتفكك، ستساعد على إعادة الاستقرار للشرق الأوسط.
وعدا عن المصالح السياسية يعتقد الإسرائيليون أنه ليست هناك عداوة بين الأكراد واليهود. بل هناك حوار جماهيري مُتقد في كردستان حول السؤال الذي يخص ترسيخ العلاقات مع إسرائيل. ويشير كثير من الأكراد إلى أنه على مدى التاريخ، كانت العلاقات بين الأكراد واليهود جيدة.
وهناك من الجانب الآخر، في إسرائيل جالية كبيرة من الأكراد. وعن طريق المهاجرين الأكراد اليهود، احتك المجتمع الإسرائيلي بالثقافة الكردية وهو يتقبلها بتفهم. ولا يعارض الإسرائيليون عامة ترسيخ علاقاتهم مع دول مجاورة، وخاصة عند غياب الكراهية تجاه إسرائيل في هذه الدول. لذلك، سيستقبل الإسرائيليون ترسيخ العلاقات الدبلوماسية مع الأكراد برحابة صدر.
الجدير ذكره، أنه على مرّ السنين، ساعدت إسرائيل الأكراد سرا. ودرّبت البيشمركة، وزوّدتهم بالسلاح وساعدتهم على تطوير التعليم بلغتهم. ومن جانب آخر: فقد حصلت على مساعدات استخباراتية وعلى هجرة اليهود الذين عاشوا في العراق. وفي سبعينيات القرن العشرين، وفي أعقاب حرب 1973 والأحداث الأخرى التي جرت في الشرق الأوسط، حدث برود في العلاقة بين إسرائيل والأكراد في العراق، ثم بعد ذلك عادت العلاقات لتزداد دفئا.
وهناك مصلحة أخرى لإسرائيل، تتمثل في نفط كردستان العراق، وذُكر أن ناقلة نفط كردية رست في إسرائيل، وأفرغت حمولتها في ميناء أشدود الإسرائيلي. وقالت بعض الجهات الإسرائيلية إن إسرائيل معنية بتحسين العلاقات مع كردستان، بهدف زيادة عدد الدول في الشرق الأوسط التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وكذلك من أجل توسيع مصادر الطاقة الإسرائيلية.
كما توجد في إسرائيل مجموعة رجال أعمال من أصل كردستاني يمكنهم أن يشكلوا جسراً مهماً للعلاقات الاقتصادية والثقافية.
بالمقابل، يعتقد بعض أكراد العراق أن التأييد الإسرائيلي العلني لاستقلال كردستان العراق من شأنه أن يطرح الأكراد كشركاء مع دولة تعتبر دولة معادية لإيران. ويتآمرون على الدول العربية. ولو كانت إسرائيل تريد مساعدة أكراد العراق حقا لكانت استطاعت طرح هذا الموضوع في البيت الأبيض، ودفعت الإدارة الأميركية للتصفيق على تأييدها للدولة الكردية المستقلة.
إجمالاً، يشير سجل المحاولات الإسرائيلية لاستغلال قضايا الأقليات والصراعات الداخلية في عدد من الدول العربية إلى محدودية مكاسبها من جهة، ومن جهة أخرى، وضع القوى التي استقوت وتحالفت مع إسرائيل في منزلة «براقش التي جنت على نفسها».