& جيمس ستافريديس

للأسف، أصبح مقترح إنشاء قوة فضاء أميركية جديدة موضع تهكم في برنامج تلفزيوني، وهوجمت الفكرة لأنها تمثل بيروقراطية غير ضرورية ومنافسا للقطاع الخاص وستجعل الفضاء ساحة عسكرية جهنمية. لكن لا صحة لأي من هذه الحجج. وكثيرون ممن قللوا من شأن الفكرة ليس لديهم دراية كافية ومشحونون بكراهية الفكرة لأنها من اقتراح الرئيس دونالد ترامب. وكاتب هذه السطور يختلف كثيرا مع سياسة إدارة ترامب لكن هذه الفكرة تسير بجرأة في الاتجاه الصحيح.

صحيح أن من الذكاء إقامة قوة فضائية لكن العنصر الجديد الذي نحتاجه حقا هو إقامة قوة رقمية، ومن المعقول جداً أن نبث الآن حياة جديدة في هذين الفرعين الصغيرين والمتقدمين تقنياً، وفكرة إنشاء قوة فضائية لتكون فرعا جديدا -مثل سلاحي البر والبحر- مطروحة منذ عقود لكن أفرع الجيش القوية تصدت لها بقوة، فكل فرع يمتلك خبرة في الفضاء ويروقه أن يكون له بعض السيطرة على «مجاله» من الفضاء، لكن القوات الجوية ستكون أكبر خاسر فيما يتعلق بالموارد البيروقراطية ولذا كان من المتوقع أن تكون أكبر المعارضين للفكرة.
ومن المثير للسخرية أنه في منتصف القرن العشرين، عارض سلاحا البر والبحر بكل ما في وسعهما لمنع إنشاء سلاح الجو، وكان الجدل يدور حينذاك بالطريقة نفسها التي يجري بها اليوم مثل الاحتجاج بعدم حاجتنا إلى إنشاء بيروقراطية أخرى، وأننا نبلي بلاء حسناً بقوات البر والبحر، ولكل منهما عمليات، وأن الجو ليس مسرحاً فعلياً للعمليات، بل مجرد مجال يستطيع فيه المفكرون الاستراتيجيون البريون والبحريون أن يحققوا أهدافهم فيه، وكانت هذه الحجج على خطأ في ذاك الوقت ومازالت الآن، ونحن نحتاج إلى قوة فضائية، لأننا سنكون أكثر أمنا بوجود متخصصين حقيقيين يركزون بالكامل على منطقة مهمة من العمليات، وجمع البيروقراطيات المتعددة التي تدير العمليات الفضائية في فرع واحد قد يخلق نقطة تركيز واحدة ومتدفقة، وستوفر على الأرجح القوى العاملة والمال، والفضاء يستحق أن يكون له استراتيجيته الخاصة به، خاصة مع الأخذ في الاعتبار المنافسة من روسيا والصين.
ولا شيء من هذا يعني أن الفضاء سيصبح عسكريا أكثر مما هو عليه الآن بالفعل، فهناك حالياً قدر هائل من النشاط العسكري والاستخباراتي في الفضاء فعلياً. وسيكون بوسع قوة الفضاء أن تجري عمليات عسكرية دفاعية وهجومية على السواء في الفضاء نفسه، وستدعم وتعزز أيضاً العمليات على الأرض من الفضاء، وكلاهما حيوي، لكن مع وجود سياسة محركة في الفضاء قد تتوافر بالفعل فرص أفضل للتعاون طويل الأمد مع الدول الأخرى على غرار محطة الفضاء الدولية.
ولا يتفوق على أهمية قوة الفضاء إلا الحاجة للتركيز على مجال مختلف وفريد من نوعه في العمليات وهو الفضاء الرقمي، فقد أصبح النشاط العسكري في المجال الرقمي ساحة للسباق الحر، حيث يقدم كل سلاح فئة صغيرة من المقاتلين الرقميين على أساس مؤقت إلى أحدث القيادات المقاتلة في البنتاجون وهي القيادة الرقمية الأميركية، وقائد هذه القيادة هو الجنرال «بول ناكاسون»، وقد قام سابقوه بعمل جيد في إدارة هذه المساهمات من الأسلحة المفردة، لكنها عملية صعبة ومن يُعينون في هذه القيادة يعودون عادة إلى سلاحهم الأصلي بعد إتمام مهمتهم في مقر وكالة الأمن القومي في ماريلاند.
وحججنا في مجال الفضاء لا تنطبق فحسب على المجال الرقمي، بل إن التهديدات التي نواجهها حالياً في المجال الرقمي أكبر، والعالم الرقمي به بالفعل نشاط عسكري كبير، وحجم القوة الرقمية سيكون أقل مقارنةً بالبيروقراطية الهائلة في أسلحة البر والبحر والجو، وأفراد القوات المسلحة ليس لديهم الحوافز الملائمة للانتباه إلى هذا العمل لأنهم منشغلون للغاية في التدريب وتجهيز العتاد وتنظيم قواتهم للقيام بمهام القتال التقليدية في البر والبحر والجو.
والصين وروسيا لديهما قدرات رقمية هجومية هائلة، فقد رأينا روسيا وهي تستخدم هذه القدرات في مهاجمة دولة جورجيا عام 2008 وهو ما سيسجله التاريخ باعتباره أول هجوم على دولة ليس فقط بالطريقة التقليدية بل أيضاً، وبالتوازي مع هجوم رقمي، وهاجمت روسيا أيضا أوكرانيا وأصابت بالشلل جزءا من شبكتها للطاقة الكهربائية. وهناك أيضا إيران وكوريا الشمالية اللتان تمتلكان قدرات رقمية هجومية كبيرة، فقد هاجمت كوريا الشمالية في عام 2014 شركة «سوني بيكتشرز» الأميركية التي أنتجت فيلما سخرت فيه من الطاغية كيم جونج أون، وكان لإيران عدة صولات ضد الولايات المتحدة في الفضاء الرقمي بما في ذلك هجمات على المرافق، وهاجمت إيران أيضا شركة «أرامكو» السعودية عام 2012 مما أجبر أكبر شركة نفط في العالم على إغلاق شبكتها الداخلية لأجهزة الكمبيوتر.
ولا يتعين أن تكون القوة الرقمية كبيرة للغاية، بل قد يضم من خمسة إلى عشرة آلاف فرد مكرسين حياتهم للعمل في هذا المجال، ومربط الفرس هو وضعهم تحت قيادة موحدة ذات ثقافة خاصة في الخدمة وجعلهم يعملون في هذا المجال إلى أجل غير مسمى كشأن أي فرع عسكري متخصص آخر، ومن المعقول للغاية أن نقيم الفرعين الفضائي والرقمي في الوقت نفسه، فالتضافر التكنولوجي بين هاتين المبادرتين المتقدمتين تقنيا قد يكون مهما، وترامب محق في تحذيره من احتمال تعرضنا لهجوم من الفضاء ذات يوم وضرورة استعدادنا لهذا. لكن يجري الآن مهاجمتنا من الفضاء الرقمي وهذا يتطلب استجابة على الفور.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

&

&

&

&