سمير عطا الله

&نادراً ما يُذكر اسم جوزف ستالين إلا مُرفقاً بأدولف هتلر. كانا ألد الأعداء، لكن سيرتهما تشابهت على نحو غريب. الأول من عز الشرق، والآخر من عز الغرب. الأول سلافي والآخر آري العرق. الأول شيوعي والآخر قومي كاره للشيوعية. وُضعت ألوف الكتب في تحليل الشخصيتين، ولا أعتقد أن أياً منها كان تحليله مكتملاً للمقومات البشرية التي جعلتهما أشهر جزاري القرن العشرين. ولم أقل «أكبر» لأن عدد ضحايا ماو تسي تونغ تقدر بستين مليوناً، أي ضعف ضحايا رفيقه اللدود، ستالين.


كان والد ستالين إسكافياً، ووالدته خياطة وشغالة في المنازل. وكان طالباً نابهاً يكتب القصائد الجميلة التي تنشرها له مجلات بلده، جورجيا. لكنه ترك المدرسة الرهبانية ليمضي عشرين عاماً في العمل السري وسجون سيبيريا. وعندما انفجرت ثورة 1917، كان إلى جانب لينين الذي عيّنه عام 1922 زعيماً للحزب الشيوعي. بعدها بشهر واحد أصيب لينين بجلطة ليبدأ أحد أكبر الزلازل البشرية في التاريخ: نقل 120 مليون فلاح إلى المزارع الجماعية، أو السجون، واعتقل وقتل أعداداً هائلة من الموالين في الجيش والشرطة السرية ودوائر العلماء والفنون والدبلوماسيين.


لكن صورة الطاغية غطّت صورة الإنسان الذي كان يهوى جمع الساعات ولعب البلياردو والبولنغ. وكان يدخن الغليون مستخدماً تبغ السجائر. كان مرتباً ومنظماً ومولعاً بقراءة الكتب التي يملأ صفحاتها علامات يعود إليها. وقد ضمت مكتبته الضخمة 20 ألف كتاب، بينها مؤلفات سقراط وأفلاطون وخبراء الحرب الألمان وأنطون تشيكوف. لكن استناداً إلى الملاحظات التي دوّنها، فقد أمضى معظم الوقت في قراءة الأدب السوفياتي. غير أن نظريته إلى ما قرأ كانت غالباً ساخرة: «هاها». و«سخافات» و«زبالة» و«مجانين».


كان ستالين يتحدث في صوت خافت، وأحياناً غير مسموع. وكان يطرب لأن ينادى «لوبا» وهو اسم بطل شعبي في موطنه جورجيا. وقد تركت إصابة بالجدري في طفولته آثار ندوب على أنفه وشفتيه وذقنه وخدّيه. وكانت هذه الندوب تمحى في الصور الرسمية، كما كانت تخفى في الأفلام «العرجة» الصغيرة التي حدثت له جراء حادث.
كذلك، كانت الصور تظهره أطول قامةً مما هو. أما في الواقع فكان في طول نابوليون، وأقصر قليلاً من هتلر. غير أن الذين قابلوه قالوا إن حضوره طاغٍ، وعيناه ثاقبتان. وكان يرفض ألقاب التعظيم التي أحبها هتلر وموسوليني، وخصوصاً «القائد»، قائلاً ذات مرة «ما أنا إلا هراء بالمقارنة مع لينين». وكان يتمتع بذاكرة خارقة.
إلى اللقاء...