هشام النجار

 إذا كان فى عنوان المقال من خلل ما فلكونه يوحى بأن هذا التنظيم لم يزل حاضرًا وله تأثيره فى الشارع المصري، لدرجة يقدر معها إحداث فارق ولو ضئيلا فى مجريات استحقاق الرئاسة القادم.

لكن الجماعة الإرهابية هنا تُستدعى فقط كمقياس ضمن مقاييس كثيرة، ولكونها صارت أداة فى يد قوى خارجية تقوم بممارسات عدائية تهدد الأمن القومى المصرى والعربي، ولأنها كشفت بشكل سافر عن خروجها عن الخط الوطنى سواء فى أدبياتها وما يصدره قادتها وأعضاؤها من تصريحات وبيانات أو فى ممارساتها على الأرض.

من سابع المستحيلات أن تعود الجماعة لمشهد الأحداث بالنظر إلى ما ارتكبته من كوارث وجرائم، فضلًا عن أن يتصور أحدهم أنها قادرة على التأثير فى نتائج استحقاق انتخابى بهذا الحجم، لكنها مجرد علامة ومؤشر للجمهور المصرى الواعي، يرسخ لديه صوابية مساره الذى اتخذه فى 30 يونيو فى العام 2013م، ويضاعف إصراره على المضى فيه حفاظًا على الدولة ومؤسساتها وصونًا لتماسكها واستقرارها وحماية لحدودها. المصريون يدركون جيدًا ما تريده الجماعة المنبوذة ومن يقف وراءها ويدعمها، وواعون بما يمتلكونه من عوامل قوة هى ذاتها التى يستميت الأعداء طمعًا فى إنهاكها أو تحييدها وإخراجها من معادلة الصراع.

انتهج الإخوان ما سطروه فى نشراتهم الأخيرة خطة الإفشال والإرباك والإنهاك وشكلوا ما أسموه التأسيس الثالث للجماعة وشكلوا لجانًا وخلايا نوعية مسلحة تدار ويخطط لها من تركيا حيث يوجد قادة الجماعة الهاربون، وتمول من قطر، واجتمع محور الشر دولًا وتنظيمات على هدف إزاحة القيادة الحالية التى فوتت على الجميع تنفيذ المخطط الكبير. القوى التى تسيطر على الجماعة الإرهابية سعت لإلحاق مصر دولة وقرارًا ومصيرًا لتبعيتها، فلا تعد مصر الرائدة القوية المستقلة بل مجرد ولاية تابعة للباب العالى فى تركيا، تنفذ وتنصاع لكل ما يأمرها به المغامر العثمانلى أردوغان. خططوا ودبروا وكان ولا يزال من أخطر وأخس أدواتهم ما يسمون أنفسهم بالجهاديين وهم فى حقيقة الأمر مجموعات من المرتزقة المأجورين تحركهم القوى الإقليمية المعادية لمصر.

قسموا مصر جغرافيًا داخل خيالهم المريض فجزء تابع لولاية داعش والآخر لولاية القاعدة والنصيب الأكبر لحساب الإخوان تابعًا لهيمنة وقرار ونفوذ أردوغان الذى دأب على تعويض عقدة نقص مستوى عائلته البسيط بما يزعم أنه فخر بأمجاد العثمانيين الذين عاثوا فى البلاد العربية ظلمًا ونهبًا وقتلًا حتى كان ابتهال المصريين فى شعاراتهم «يا رب يا متجلى اهزم العثمانلي». لم ينجح أردوغان عن طريق وكلائه الإرهابيين فى تحقيق أهدافه، وكما فعل فى سوريا يريد أن ينتقل من الاعتماد كلية على الجماعات الإرهابية الكبرى الثلاث الإخوان والقاعدة وداعش، إلى إسناد هذا النشاط الإجرامى بالتدخل العسكرى المباشر.

خاضت مصر قيادة ومؤسسات وشعبًا المرحلة الأولى من الحرب التى اعتمدت بشكل رئيسى على نشاط وممارسات الفصائل المسلحة التابعة للتنظيمات الثلاثة والتى تدار بشكل مركزى من قبل قيادة موحدة مقرها تركيا، وكشفت الأحداث والوقائع وتفاصيلها وتشابكاتها واعترافات المتورطين بها عن حجم المؤامرة الهائل. وزعوا أنفسهم جغرافيًا ومناطقيًا وحسب طبيعة الهدف فجماعات عملت ونشطت فى سيناء على الجبهة الشرقية وأخرى نشطت على الحدود مع ليبيا على الجبهة الغربية وأخرى داخل المحافظات الكبرى ومحافظات ومدن الوادى والدلتا.

وجماعات تخصصت فى استهداف الجيش وأخرى تولت مواجهة الشرطة وأخرى تخصصت فى استهداف مرافق الدولة وشبكات الكهرباء والأنفاق ووسائل المواصلات الرئيسية والقيام بعمليات اغتيال لرموز الدولة سواء كانوا سياسيين أو مفكرين وعلماء أو قضاة أو عسكريين أو قادة أجهزة أمنية، وأخرى تخصصت فى استهداف المدنيين والاعتداء على دور العبادة وقتل المصلين من مسلمين ومسيحيين. تتوحد تلك الجماعات المارقة وتتكامل ممارساتها وتصب فى هدف واحد حيث يدعم أحدها الآخر وتجد الجماعة منها فى نشاطات الأخرى سندًا ومكملًا لنشاطها، وصولًا لما يتمنوه ويحلمون بوقوعه ويتمناه قبلهم الخليفة الحالم أردوغان وهو إسقاط الدولة وإشاعة الفوضى فى ربوعها ليتسنى اقتسام الغنيمة الكبرى فيما بينهم.

فشلوا فشلًا ذريعًا بانهيار الإخوان فى الداخل المصرى وما حققه الجيش والأجهزة الأمنية من ضربات لبنية هذه التنظيمات، والآن تنتقل تركيا مع جماعاتها المارقة إلى مستوى متقدم ومرحلة جديدة من الحرب. فقد تأخر قادة الجماعات والميليشيات إلى الصفوف الخلفية، ليتقدم الهجوم على جبهات الحرب وحدات تركية نظامية عسكرية وكتائب مدربة من الجيش وقادة عسكريون، وهو التطور الذى أحدثه أردوغان فى سوريا، وهو سر إنشائه قواعد عسكرية على البحر الأحمر وسر سيطرته على جزيرة سواكن.

كلمة السر فى صمود الدولة المصرية منذ العام 2010م وهو عام التخطيط لفوضى الربيع العربى الذى اجتمع خلاله أردوغان والغنوشى وسعد الدين إبراهيم ويوسف القرضاوى وأبو الفتوح وهيلارى كلينتون وكونداليزا رايس ومادلين أولبرايت.. الخ فى مؤتمرات معلنة أكثر من ست مرات علاوة على الاجتماعات المغلقة، هى القيادة المصرية الواعية.

أفشلت القيادة المصرية الهجوم فى مرحلة الحرب الأولى عبر الوكلاء المأجورين والميليشيات المرتزقة، وتدرك أجهزة استخبارات العدو أن مصر تستبق وتتحرك للتعاطى مع طبيعة ومستجدات المرحلة التالية من الحرب. ويدرك الشعب المصرى جيدًا أن اختياره كان ولا يزال الأصوب، لاعتبارات كثيرة يعلمها الجميع، لكن الأخطر هو أن هناك من يريد إزاحة أحد أقوى عوامل صمود الدولة ليسهل تنفيذ المخطط القذر.