أحمد الفراج 

عندما ترشَّح باراك أوباما للرئاسة، أصيبت معظم وسائل الإعلام الأمريكية بما يشبه الهوس بهذا الوجه الجديد، الذي لم يمض إلا سنوات قليلة في مجلس الشيوخ، والذي قال عن نفسه، في مؤتمر الحزب الديمقراطي لعام 2004، قبل أن يترشَّح للرئاسة: «أنا القادم من المجهول ذو الأذنين الكبيرتين»، ولا شك أن تلك الخطبة هي التي قدمته للناخب الأمريكي على المستوى الوطني، وعندما فاز في انتخابات ولاية إيوا، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، كأول فوز له في مسيرة الترشّح للرئاسة، أصبح مثل النجم السينمائي، أو المطرب، تلاحقه وسائل الإعلام، وتروّج لكل ما يفعل، لدرجة أن الحديث والكتابة عنه بإيجابية أصبح هو السائد، وأذكر بهذا الخصوص أنني تواصلت مع مدير تحرير إحدى الصحف الأمريكية، وأبلغته برغبتي في كتابة مقال، يتحدث عن هوس الإعلام الأمريكي بأوباما.

بعد نقاش طويل، أبلغني مدير التحرير، بطريقة دبلوماسية غير مباشرة، أن القارئ قد لا يكون مستعداً لمثل هذا الطرح! ثم طلب مني أن أرسل المقال، وأرسلته، ولم ينشر على أي حال، رغم أنني خففت حدة نقدي لظاهرة هوس الإعلام بأوباما، وكان ذلك في أوج انتصارات أوباما المتلاحقة، وقبل أن يفوز بترشيح الحزب الديمقراطي رسمياَ! واستمر هذا الدلال الإعلامي لأوباما طوال فتراته الرئاسية، إذ قليل ما تقرأ نقداً واضحاً وصريحاً له، حتى عندما تخلَّى عن خطوطه الحمراء تجاه بشار الأسد، وحتى عندما دنّس الهيبة الأمريكية، أثناء مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، بل وحتى عندما أذلت إيران بعض الجنود الأمريكيين، وهو الخط الأحمر الحقيقي لأي رئيس أمريكي، حتى ولو كان ديمقراطياً، ولم يكن دلال الإعلام لأوباما بلا أسباب، فقد كان الأخير يملك كل اشتراطات الإثارة، التي يبحث عنها الإعلام.

وخارج إطار سياسات أوباما، التي كانت سبباً في تردي علاقات أمريكا بحلفائها التقليديين في الخليج، ومواقفه وسياساته الناعمة مع خصوم أمريكا، فإنه يملك كاريزما ساحرة، أفضل من تلك التي جعلت من الرؤساء، جون كينيدي ورونالد ريجان، نجوماً مفضَّلين لدى الإعلام، أضف إلى ذلك فصاحة أوباما اللغوية، التي جعلت منه خطيباً مفوّهاً، يأسر المستمعين والمشاهدين، وإذا أضفنا إلى ذلك أنه مرشّح مختلف، أي من أصول إفريقية، ندرك أنه جمع كل ما من شأنه أن يجعل منه محط أنظار الإعلاميين، ونجمهم المفضّل، وقد ساعدته ثقافته العالية، إذ هو يحمل شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد العريقة، على أن يكون لافتاً في كل ما يقول، ومن هنا نخلص إلى أن أوباما لم يكن رئيساً استثنائياً بإنجازات كبرى، بل على العكس من ذلك، ولكن افتتان الإعلام به، والحرص على الترويج له، عوَّضه عن إخفاقاته السياسية، وهذا، تماماً، عكس ما يحصل للرئيس ترمب، وهذا سيكون موضوع مقال مستقل.