أحمد علي الحمادي

يسجل النظام القطري لنفسه نقطة شديدة السواد وجريمة جديدة في تاريخ مناوراته السياسية غير المسؤولة وغير الأخلاقية، فباعتراض الطائرات الحربية القطرية لطائرتين إماراتيتين مدنيتين خلال رحلتين عاديتين إلى المنامة، تكون قطر قد بلغت حدّاً من التصعيد لاستفزاز دولة الإمارات التي تتحلى في سياستها بالحكمة والاعتدال بشهادة العالم، وترتكز على قواعد استراتيجية ثابتة في احترام المواثيق والقوانين الدولية.
وكعادته، فإن النظام البائس نفى هذا الفعل الشنيع وحاول قلب الحقائق، إلا أنه نسي أو تناسى أن الرادارات البحرينية رصدت طائراته لدى اعتراضها لمسار الطيران الإماراتي، هذا عدا المشاهدة العينية للواقعة من قبل طاقمي الطائرتين.
وإن بدا غريباً هذا الفعل الهجومي السافر في عدائيته وفجوره في الخصومة واستهتاره حتى بحياة أفراد لا ذنب لهم وترويعهم وبث الذعر في نفوسهم، إلا أنه ليس غريباً على توجه يدعم الإرهاب منذ سنين، وتسبب فعلاً في خسائر إنسانية وإزهاق أنفس كثيرة، وتاريخه حافل في إثارة الفتن وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
الأمور تضيق حول قطر وكلما ضاقت اتخذ نظامها خيارات أكثر اضطراباً وهمجية، والأسئلة التي تتكاثر والأصوات التي تعلو مطالبة قطر بتوضيح هدفها من كل هذا الحقد وهذه الكراهية غير المسبوقة بين العرب عموماً والأهل والإخوة والجيران خصوصاً، لا تجد لها جواباً أو حتى صدى.
يبدو عصياً عليّ التصور أن يكون هدفك الوحيد في الحياة هو الإرهاب والإفساد في الأرض وترويع الآمنين وخرق الأمن والسلام لدى أهلك وجيرانك، لكن قطر لم تترك مجالاً ولم تبذل أي جهد لتصحيح هذه التصورات التي زرعتها بنفسها في الواقع وفي النفوس.
يتحدث الجميع اليوم عن أن فعلاً لامسؤولاً كهذا يوضح مدى الإفلاس النفسي والسياسي والأخلاقي الذي تعانيه الحكومة القطرية والذي جعلها تهدد مدنيين آمنين لا علاقة لهم بأي نوايا خبيثة أو خلافات سياسية.
فإن كان هذا الشعور بالإفلاس والاغتراب عن البيت الخليجي الحاضن حقيقياً، ألم يكن من باب أولى أن تكون هذه النقطة هي خط الرجعة للعودة وتصحيح المسار ؟ وليس اعتراض طائرتين على متنهما 277 مسافراً من جنسيات مختلفة في رحلتين اعتياديتين معروفتي المسار ومستوفيتين للموافقات والتصاريح اللازمة والمتعارف عليها دولياً..و يعلم عنهما الجانب القطري!
يبدو هذا التعدي القطري العدواني خارقاً ليس للأجواء فقط، إنما للكثير من القيم والروابط والقوانين الدولية، وتصعيداً من الواضح استقواؤه بإيران وتركيا، متناسياً أن الأخيرتين لا تحتويان قطر حبّاً وإعجاباً بقدر ما هي سياسات لها خططها وأهدافها وأحلامها وأطماعها في المنطقة العربية إذا - لا قدّر الله- حققت شيئاً منها لن تعود قطر يوماً الحليف والصديق والطفل المدلل الذي يتآمر على جيرانه الخليجيين ويوقع بين إخوته ليسيطر هو ويستعلي مفسداً في الأرض معادياً كل قيم الخير والسلام، ماضياً في طريقه المظلم الذي سيؤدي به في نهاية المطاف إلى الانتحار السياسي، وهنا يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته تجاه التصرفات القطرية وألاّ يقف متفرجاً على الممارسات العدوانية التي تزعزع استقرار المنطقة. 
لقد اعتدنا على المفاجآت القطرية السلبية لكننا لم نكن نتوقع مثل هذه المفاجأة الجديدة المتمثّلة في ترويع الآمنين لأنها خالية من كل مبادئ السياسة ومنزوع منها أبسط وأدنى قواعد وأدبيات العلاقات بين الدول.