محمد السعيد إدريس

قبل أربعة أشهر من الآن، وبالتحديد في السابع والعشرين من أغسطس، نشر الكاتب «الإسرائيلي» يورام أتنجر مقالاً في موقع «نيوز-1» تحت عنوان «إلى أين يتجه الشرق الأوسط»، حاول فيه استقراء مستقبل التفاعلات التي كانت قد فرضت نفسها على الدول العربية، بعد سبع سنوات من الانتفاضات والحروب والصراعات التي اجتاحت العديد من الدول العربية، وألقت بظلالها على الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي» الذي أصيب بالركود بسبب انشغال الدول العربية بأزماتها الداخلية، التي جعلتها تتعمّد تجاهل ضغوط هذه القضية التي باتت تمثل «عبئاً» على الأجندات الوطنية المكثفة بالأزمات والتحديات والصراعات.

من هذه المقدمات اعتقد الكاتب أن الفرصة أضحت سانحة أمام «إسرائيل» لفرض مشروعها للسلام الذي تريد، وبالتحديد مشروع الدولة اليهودية بضم الجزء الأكبر من الضفة الغربية، والعمل على الانتهاء من تهويد القدس، وتصفية مشروع «حل الدولتين»، وتصدير الأزمة الفلسطينية لدول الجوار وبالتحديد الأردن ومصر.

قراءة هذا التحليل تكشف مدى قصوره، لأنه إذا كانت الدول العربية، في أسوأ حالاتها كما يزعم، وأن القضية الفلسطينية آخذة في التداعي، فإن «إسرائيل» هي الأخرى ليست في أحسن حالاتها، فهي مأزومة في الداخل بمشاكلها الخاصة، وبالذات تورط رئيس الحكومة في قضايا فساد، ربما تفرض تقديمه للمحاكمة، وهي مأزومة مع سوريا في ظل نجاح النظام السوري، بالتعاون مع حلفائه، في حسم الأزمة السورية عسكرياً لصالحه، وهو الحسم الذي ربما يتيح الفرصة لإيران لتنفيذ مشروع الخط البري الذي يربطها بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا، وإنشاء قاعدة عسكرية بحرية على شاطئ المتوسط، لكن الأخطر هو تمكين إيران و«حزب الله» من فتح جبهة عسكرية ضد «إسرائيل» على طول الحدود السورية مع «إسرائيل» في هضبة الجولان.

تعمّد تجاهل هذا التطور الذي أصاب نظرية الأمن «الإسرائيلية» في العمق، وفرض على القيادات العسكرية الاعتراف بأن «إسرائيل» ليس في استطاعتها مواجهة إيران عسكرياً في سوريا دون تعاون وتنسيق مع الولايات المتحدة، ليس بريئاً ويكشف أن «الإسرائيليين» يحاولون «تصدير اليأس» إلى الفلسطينيين بصفة أساسية والدول العربية بشكل عام، ومحاولة الترويج لمقولة إن رياح التغيير في الشرق الأوسط تعمل لصالح «إسرائيل»، وربما تمثّل «فرصة تاريخية» لفرض مشروع السلام «الإسرائيلي» في ظل إدارة الرئيس ترامب.

هذه الأفكار أخذت تتداعى أمام رياح تغيير عكسية جاءت كرد فعل لقرار الرئيس الأمريكي ترامب بإعلانه نقل سفارة بلاده من «تل أبيب» إلى القدس، فقد فجّر هذا القرار «تسونامي» في حركة التفاعلات الفلسطينية والعربية والدولية، أخرجت الولايات المتحدة من دورها كراعية للسلام، ووضعت مشروع التسوية الفلسطيني «الإسرائيلي» كله أمام تحديات كبيرة. فالهبّة الفلسطينية التي فجّرها قرار ترامب باتت تهيئ فرصة اندلاع انتفاضة ثالثة، وأخذت تضغط على السلطة الفلسطينية لاتخاذ قرارات قوية تتوازى مع الحالة الشعبية داخل الأراضي المحتلة . وإذا كانت القمة الإسلامية التي عقدت في إسطنبول قد أصدرت قراراً بهذا المعنى، فإن اجتماع اللجنة الوزارية العربية المصغرة التي تضم وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والإمارات وفلسطين والمغرب الذي عقد في العاصمة الأردنية (5/‏‏1/‏‏2018)، أقرّ ثلاثة مرتكزات ينطلق منها العمل العربي لمواجهة القرار الأمريكي، لخّصها وزير الخارجية الأردني في مؤتمره الصحفي بالسعي إلى الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود الرابع من يونيو 1967، والضغط على المجتمع الدولي لإبطال قرار الرئيس ترامب، وإحياء عملية السلام ومسار التفاوض وإنهاء الصراع.

وشكلت القرارات التي صدرت عن الاجتماع المهم جداً للمجلس المركزي الفلسطيني الذي عقد في رام الله انقلاباً حقيقياً في مجرى رياح التغيير في الشرق الأوسط في اتجاه لا تريده ولا تأمله، ولم تتوقعه «إسرائيل».

فقد تداول المجتمعون الحوار حول ثلاث قضايا تشمل: تعليق الاعتراف الفلسطيني بالدولة «الإسرائيلية»، وإنهاء اتفاق أوسلو، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.

كان هناك من تحمّسوا لاتخاذ قرارات بهذا المعنى، وكان هناك من فضّلوا التدرج في القرارات، لكن ما صدر يؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني الفلسطيني، قد تكون علامات حول تحديد إلى أين ستتجه رياح التغيير في الشرق الأوسط، ولصالح من؟