حمد الكعبي

 على مر التاريخ كانت الإمارات، وما زالت، قبلة للشرق والغرب، ودولة سلام واستقرار، وحاضنة أمان، فلا يستجير بها أحد إلا أجارته وأكرمته ووفرت له كل سبل الراحة والطمأنينة، وهي تعمل بذلك المبدأ الراقي الكريم انطلاقاً من واجبها الإنساني، وأصالتها العربية، وما جُبلت عليه قيادتها وشعبها من شهامة ونخوة وكرامة.

ففي العقود الماضية لجأت إلى الإمارات شخصيات تاريخية بارزة لها ثقلها السياسي، ومن بلدان ذات أهمية سياسية واستراتيجية كبيرة، وقد عاشوا وتنعموا بأمنها، وبكرامة أهلها، فلم يسجل التاريخ قط أن الإمارات تعرضت لضيوفها، أو استغلت تواجدهم على أرضها لمآرب سياسية كما يزعم بعض الإعلام المرتزق المتملق. هذا بعكس قطر منذ بداية عهد نظام الحمدين، حيث تحولت إلى قبلة -أو بالأحرى قنبلة- لشذاذ الآفاق والقتلة المتسلسلين والإرهابيين والمطاريد والمشبوهين والمطلوبين على القوائم الحمراء من كل شكل ولون. وكثير من الشخصيات التي حلت ضيوفاً على الإمارات، وعاشت فيها لسنوات، كانت ذات أهمية سياسية أكبر بكثير من شخصية الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني.

بعضهم أيضاً ذوو علاقة بملفات أكثر أهمية واستراتيجية من ملف قطر الذي لا يمثل أمامهم سوى نقطة في بحر، ومع ذلك لم تكن الإمارات لهم إلا أمناً وأماناً، عليهم وعلى أسرهم، وقد فضل البعض منهم العيش في الظل بعيداً عن الأضواء بعدما شعر بالطمأنينة في الإمارات، ورغب في أن يبقي أحد أفراد مجتمعها وينعم بخيراتها.

ومن بين الشخصيات البارزة التي جاءت إلى الإمارات فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والدكتور عدنان الباجة جي وزير الخارجية العراقي الأسبق، وعبدالحميد البكوش رئيس وزراء ليبيا الأسبق، وصلاح أبوزيد وزير الإعلام الأردني السابق، ومحمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي السابق أيضاً، وتلك الشخصيات لها ثقلها السياسي واعتباراتها الاستراتيجية أكثر بكثير من شخصية عبدالله بن علي التي برزت مؤخراً بعد مقاطعة الدول الأربع لقطر.

وحتى بالنسبة لقطر نفسها فمن بين الشخصيات التي حلت كضيف على الإمارات الشيخ الراحل خليفة بن حمد آل ثاني أمير قطر السابق الذي تعرض للانقلاب على يد ابنه حمد بن خليفة وعاش معظم حياته بعد ذلك منفياً من قطر، وقد كان وقتها ضيفاً في الإمارات، ولم تستغل وجوده على أرضها على رغم الخلاف وقتها على الطريقة التي استولى بها ابنه العاق على الحكم.

وبرغم اختلاف دوافع وأسباب استقرار كل واحد من هؤلاء الضيوف في دولة الإمارات، فإن ما يحكم العلاقة مع الجميع هو توازن سياسة الإمارات، ورغبتها في تحقيق السلام والاستقرار على صعيد الدول، والأمان للأفراد الذين حلوا على أرضها ضيوفاً أو مستجيرين من الأنظمة في بلدانهم.

والحادثة الغريبة التي ظهر عبدالله بن علي يتهم فيها الإمارات باحتجازه سيناريو غير مُحكم، وعليه العديد من الملاحظات التي تظهر عدم مصداقيته، وأنه أكذوبة ملفقة رديئة الحبكة وهادمة لذاتها بذاتها. وفي البداية لابد من فهم بعض خلفيات العلاقة الصعبة بين عبدالله بن علي آل ثاني ونظام الحمدين لكي تظهر الصورة جلية للعيان.

فحينما خلع حمد والده، وجلس على كرسي الحكم في الدوحة، بدأ بتقليص منح الديوان الأميري على بقية أفراد الأسرة الحاكمة، في انقلاب آخر على الأساليب التي كانت متبعة من طرف والده، ورغبة منه أيضاً في منع أي ظهور لنفوذ مالي أو اجتماعي بينهم حتى يضمن استمراره هو في الحكم لسنوات، وتوريثه لأبنائه دون أي منافسة من بقية أفراد الأسرة. وبالطبع كانت التضييقات والمضايقات في أملاك الأسرة من بين الأوراق التي استغلها للضغط عليهم، ومن بينهم طبعاً عبدالله بن علي آل ثاني الذي سحبت معظم أملاكه، وتم التقليل من أهمية بعضها، ولم يقتصر هذا التضييق عليه وحده بل شمل معظم أفراد أسرة آل ثاني الآخرين، مما جعل الكثير من أفراد الأسرة يترقبون أية طريقة للخلاص من نظام الحمدين المستبد. وبالطبع كانوا يرون، كغيرهم، أن خيرات الشعب القطري تصرف لأغراض سياسية غير شريفة، وفي أنشطة مريبة، وتمنح لشخصيات غريبة عنهم بهدف شراء الذمم، أو لنشر أحوال عدم الاستقرار والدمار، وسوى ذلك مما هو معروف ومكشوف من سلوك عدواني تجاه المنطقة ككل، لا يعرف نظام الحمدين سواه.

وقد استغل الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني فرصة مقاطعة الدول الأربع للضغط على نظام الحمدين لتحقيق مكاسب شخصية من خلال الظهور على الساحة بدور الوسيط في موسم الحج، وبدعوى ضمان مصالح الشعب القطري في دول المقاطعة، فظهر في المملكة العربية السعودية، وبعدها في المغرب، وطلع من نافذة التواصل الاجتماعي، وسجل أول ظهور له بعد الأزمة القطرية، وتحدث حينها عن ظلم واستبداد نظام الحمدين. وكان مما جاء في التغريدات تأكيد تجميد حساباته وأمواله في قطر كاعتراف منه بالضغط الممارس عليه، والتهديدات التي يتلقاها بين الحين والآخر من النظام القطري رغبة في ليِّ ذراعه، ولدفعه للعدول عن أي نشاط يمكن أن يحقق له شعبية واسعة ليس فقط بين الشعب القطري وإنما أيضاً الشعوب العربية الأخرى التي تتطلع للخلاص من شرور نظام الحمدين.

وظهوره كشف تسلط نظام الحمدين وظلمه الداخلي على أفراد أسرته وأبنائه الذين فضلوا النأي بالنفس والحفاظ على حياتهم من جرم الحمدين وأياديهما الغادرة التي من الممكن أن تطال أي أحد منهم بالمكروه.

والحاصل أن المسرحية التنكرية الركيكة التي اختلقت ولُفقت بشأن موضوع الشيخ عبدالله بن علي، كانت فجة وسمجة وواهية بشكل كشف للجميع رداءة إعلام نظام الحمدين، وكانت لها أيضاً تداعيات عكسية بلفت انتباه العالم كله إلى دسائس وخسائس إعلام ذلك النظام، القائم على التزوير والتلفيق والكذب الصفيق، في كل دعاواه المنحوسة، وفي طريقة إدارته العاثرة، لأزمته المستحكمة وكل رهاناته الخاسرة.