سمير السعداوي

 غيّب الموت الأسبوع الماضي، الكاتب والصحافي الليبي فاضل المسعودي، أحد أبرز المناضلين من أجل الديموقراطية في بلاده. عاش في زهد وتقشف سنوات منفاه الطويلة في لوزان السويسرية ودفن فيها بعيداً من البلاد التي ناضل من أجل حقوق مواطنيها في العيش الكريم والمساواة والعدالة الاجتماعية.

المفارقة أن تشاء الصدف، المثيرة الدهشة دوماً، أن يتزامن تشييع المسعودي في لوزان مع اجتماع على بعد بضعة أميال لأربعين من «زعماء الحرب» الليبيين في مدينة جنيف، ليتفقوا على ألا يتفقوا، وليواصلوا بالتالي إمساكهم بمقاليد البلاد واستنزاف مواردها وافتعال الصراعات فيها.

المسافة بين لوزان وجنيف تختصر الفارق بين دعاة الدولة المدنية المهمشين دولياً، على رغم إجماع الليبيين العاديين عليهم إخلاصاً وسلوكاً ووطنية، وبين منتهزي الفرص دعاة التفرقة الذين يمعنون في انتهاك حقوق الناس ويمارسون أبشع الجرائم من خطف واحتجاز وتنكيل، وذلك تحت رعاية طرفي النزاع الرئيسيين: حكومة «الوفاق» في طرابلس المشكّلة برعاية دولية و «الجيش الوطني» الذي ينازعها الشرعية شرقاً.

هذا ليس كلام محللين ولا مراقبين أو ناقدين سياسيين بل فحوى تقرير لجنة خبراء من الأمم المتحدة، نقلت عنه صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي، أن الحل السياسى في ليبيا بعيد المنال، لأسباب عدة لعل أبرزها تضارب المصالح الإقليمية، ودخول البلاد في حلقة مفرغة، من منطلق أن الاستقرار يتطلب انتخابات وهي تتطلب بدورها استقراراً.

وحدّث بلا حرج عن استياء شعبي وانعدام ثقة تجاه النخب الطارئة المتنافسة، وذلك نتيجة انتهاك جماعات مسلحة بعضها يضم مرتزقة أجانب، سيادة البلاد فضلاً عن تهريب المال العام وإمعان قوى الأمر الواقع المحلية في ضرب الاقتصاد من خلال الاستحواذ على الأموال العامة، عبر ممارسات فظيعة مثل تهريب الوقود وتقاسم خطابات اعتماد تتيح الاستيلاء على احتياطي العملة الصعبة في المصرف المركزي في طرابلس.

وبوسع الإيطاليين الذين لم يقصروا بدورهم في ممارسة ارتكابات تاريخية في ليبيا، أن يتحدثوا عن معاناتهم مع طوفان «لاجئي الزوارق» على شواطئهم نتيجة ظاهرة الإتجار بالبشر التي تورطت فيها قوى أمر واقع تقع تحت حمايتهم في طرابلس... الأمر المثير للدهشة والتعجب في آن.

ووفق تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة أيضاً وبخلاف ما يحلو للمعنيين في الداخل والخارج أن يشيعوه، فان حركة تهريب السلاح إلى ليبيا لم تتوقف على الإطلاق، وذلك على رغم الحظر الدولي المفترض على تصدير السلاح إلى البلاد.

استعصاء الحال الليبية مرده عدم رغبة عرابي الحلول في دفع فاتورة السلام التي مهما تطلبت من أموال فإنها لا تعادل 300 بليون دولار تشكل احتياطات ليبيا وتبخرت بعد سقوط النظام بفعل أحداث «17 فبراير» التي احتفى القيمون على البلاد بمرور ذكراها السادسة كـ «ثورة»... علامَ؟

تلك البلايين حاول الأميركيون، بلا جدوى، إقناع العقيد معمر القذافي بضخها في استثمارات ليصبحوا شركاء فيها، قبل تبديدها لاحقاً على أيدي «الفبرايريين» ومصادرة عواصم إقليمية وعالمية ما وقع تحت ايديها من استثمارات وأرصدة لليبيين بدعوى انعدام الشرعية في بلادهم.

ويحلو لـ «الفبرايريين» إذا جاز التعبير تبرير نكستهم بـ «تسلل» الـ «سبتمبريين» إلى «الثورة»، ويقولون إن المحسوبين على النظام السابق «بدلوا بندقيتهم» من كتف إلى أخرى، وتسلل بعضهم الآخر إلى انتخابات 2012 و2014 وتقلد مناصب مهمة، ناهيك عن حيتان المال والأعمال الذين حجزوا لأنفسهم مقاعد متقدمة في مقصورة «17 فبراير»، بعدما شغلوا مثلها في قطار «الفاتح».