فايز الشهري

سورية اليوم هي آخر محطات الفوضى السياسيّة والعسكريّة في عالم التناقضات التي لا يمكن فهمها. من جهة نرى الولايات المتحدة تدعو للسلم والحوار السوري-السوري ثم تتحرك للتسخين إذا برد الوضع. وفي وجود روسيا يمكن أن يقصف الجيش الأميركي مواقع في سورية باسمه أو باسم الناتو أو حتى التحالف الدولي لمواجهة داعش الذي يتسق مع النظام أيضا في أهدافه. وفي سورية تتحرك روسيا وتابعتها إيران مع النظام السوري وبموازاته ثم تلتقي سراً وعلناً بعض فصائل المعارضة للتنسيق والتفاوض. على الجانب الآخر تأتي تركيا على خط الأزمة باسم مراقبة «داعش» عن قرب ثم تتربّص بفصائل كرديّة تحت عنوان ملاحقة حزب العمال الكردستاني وفي نهاية كل يوم تتأكد من استمرار توثيق علاقاتها بحكومة الإقليم الكردي في شمال العراق.

لم يستطع أحد حتى اليوم كشف كل عناصر السرّ الدفين وراء التضحيات الروسيّة في سورية خاصة مع تزايد عدد القتلى والجرحى الروس سواء من العسكريين النظاميين أو المتعاقدين الذين لم يعلن عددهم الحقيقي، كون خسائر الجيش تعتبر بموجب القانون الروسي من أسرار الدولة. الصورة الظاهرة أن روسيا تريد أن ترسل رسالة أنها تقف إلى جوار حليف قديم، وأيضا لتؤكد للخصم الأميركي أن لها مصالح، وربما لإعطاء الداخل الروسي بعضاً من شعور الانتماء لدولة عظمى لها وزنها في الخارج.

إلى جوار سورية وروسيا وإيران يجد الزعيم «إردوغان» -بشخصيته الاستعراضيّة- نفسه في معمعة الأحداث التي لا يملك من مفاتيحها سوى إثارة الضجة وسط هياج الجماهير وهو يلقي الخطابات الرنانة. «إردوغان» من جهة هو عضو في الناتو ومن أراضيه تنطلق الطائرات، وهو صديق حذر لروسيا التي تعرف تقلباته، ويغازل إيران التي لا يثق بها ولا تثق به، ناهيك عن كثرة تلفته للخلف كلما مضى خطوة، حيث لم تلتئم بعد جراح الحركة الانقلابيّة الخامسة في بلاده.

الآن على ملعب الدماء والدمار في سورية أربع دول في فريق اللاعبين الأجانب (تركيا، إيران، روسيا، الولايات المتحدة) تتناقض مصالحها وأدواتها وغايتها. وهناك «معارضة» أسماء فصائلها أكثر من كوادرها. روسيا تريد حماية مصالحها وضمان تابعيّة خلفاء الأسد، إيران من جهتها تخشى فقدان سورية التي سيتبعها تحول «حسن نصر الله» وأركاناته إلى لاجئين وعبء سياسي وأمني في ضواحي طهران وبالطبع تلاشي حلم تصدير الثورة. أما تركيا فلا سبيل لها إلا المغامرة والمقامرة تحسبا لاتفاق قد يمهد إلى تقسيم سورية وتنغيص الحلم الإردوغاني بزرع دويلة كرديّة على الحدود الجنوبيّة لتركيا. ولهذا لم يعد صوت المعارضة السوريّة واضح المطالب بعد أن فقدت المعارضة في تحقيق معادلة أصوات متعددة وهدف واحد.

وعلى هذا الإيقاع الجنوني يتربّص الأميركيون ومعهم الإسرائيليون لاستثمار الفوضى ووسم شركاء الغد في سورية وبينهما تتحرك شركات السلاح في الشرق والغرب ومقاولي إعادة الإعمار لترتيب الأوراق والتربص بالصفقات في حالتي الاختلاف أو الائتلاف. سننتظر فقد تكشف نهاية الأوضاع في سورية عن حل بعض الألغاز، أو لعلها ستفتح البوابات للمزيد من غموض الأسئلة؟

قال ومضى

ما أصعب الجواب في زمان الأسئلة؟