نجاح عبدالله سليمان 

لتكن البداية من حيث انتهت به إنجازات الديبلوماسية السعودية، حيث فوز سفارتها في كندا بجائزة سفير كندا الأول وجائزة الديبلوماسية العامة 2018 لمنطقة الشرق الأوسط، والتي انتهت عملية التصويت عليها في 14 كانون الثاني (يناير). وتسلَّم السفير السعودي لدى كندا نايف بن بندر السديري الجائزة. توهُّج الديبلوماسية السعودية إنما يعود إلى الثبات الذي تتسم به سياستها والذي أرسى قواعدها الثابتة الملك المؤسس عبدالعزيز، سياسة تضع مصلحة الأمة العربية والإسلامية في المرتبة الأولى وتتسم بالهدوء المطلق والتأني بعيداً من المغامرات أو الخطوات غير المحسوبة أو المدروسة، ولا تنجر إليها مهما كان الإغراء أو مهما بلغت درجة الاستفزاز، إلا إذا كانت مصلحة الأمة وأمنها في خطر، عندها يكون اتخاذ القرار كلمحٍ بالبصر، وهنا يأتي الوضوح والثبات... سر الثقة، الصدقية التي تحظى بها المملكة لدى دول العالم وتتسم بها سياساتها، وهذا هو سر توهجها.

وعليه فالديبلوماسية السعودية تمضي قدماً، في ركب الأزمات الإقليمية والدولية، لإيجاد حلول ومقاربات خلاقة لها، ترضي الأطراف كافة. القوة الدافعة لتقدمها بخطوات راسخة حكمة القيادة في المملكة العربية السعودية، التي تنتهج خطاً مدروساً بعناية فائقة ينطلق من أسس متينة.

أول ممثلية سعودية في الخارج افتتحت في القاهرة كانت أول بعثة ديبلوماسية رسمية للمملكة في القاهرة في عام 1384هـ، وارتفع العدد إلى خمس بعثات في العام 1936، وزاد إلى 18 في العام 1951، واستمر الارتفاع بحكم السياسة الحكيمة للمملكة ليفوق عدد الممثليات في الخارج حالياً 77 سفارة و13 قنصلية وثلاثة وفود ومكتباً تجارياً. وواكب هذا التوسع في علاقات المملكة الديبلوماسية تطور جهاز وزارة الخارجية وبعثاتها في الخارج، بما في ذلك إعادة تشكيل جهازها الإداري والتنظيمي لتمكينه من القيام بواجباته، تماشياً مع توسع المملكة في علاقاتها الدولية ونشاطها الديبلوماسي المكثف على الساحة الدولية.

تملك وزارة الخارجية السعودية إرثاً عريقاً من التقاليد الديبلوماسية، يعود إلى تاريخ تأسيسها عام 1930 كأول وزارة في المملكة العربية السعودية. وتولاها في حينه الأمير- الملك- فيصل بن عبد العزيز، ثم خلفه إبراهيم بن عبدالله السويل، إلى أن عادت حقيبة وزارة الخارجية مرة أخرى إلى الملك فيصل حتى وفاته، رحمه الله، عام 1975، ليعقبه ابنه الأمير سعود الفيصل، حتى نيسان (أبريل) 2015، حين شغل عادل بن أحمد الجبير هذا المنصب المرموق.

تماشياً مع برنامج التحوُّل الوطني 2020، ومواكبة لنمو المملكة اللافت على الساحة الدولية. قدمت الديبلوماسية السعودية حزمة من المبادرات وآليات لتنفيذها، أبرزها تعزيز الديبلوماسية العامة وتفعيل الشراكات الإقليمية والدولية لخدمة اقتصاد الوطن، رعاية المواطنين وحماية مصالحهم في الخارج، إبراز صورة المملكة عالمياً. ولا تغفل الخطة الاستراتيجية إعادة هيكلة الوزارة بما يلائم نمط العلاقات الدولية المعاصرة التي تتسم بحركة بالغة السرعة. كما درجت وزارة الخارجية على عقد اجتماع كل ثلاث سنوات لرؤساء بعثات المملكة في الخارج.

نحن أمام أكثر من ثلاثين اسماً لأبرز وجوه الديبلوماسية السعودية، ضمن سلسلة طويلة منذ عهد الملك المؤسس، ومن أبرز الأسماء التي ضمتها السلسلة السفير السعودي حافظ وهبة الذي عمل مستشاراً للملك عبدالعزيز، وعُيِّن أول سفير للمملكة في لندن. وتولى وهبة عدداً من المناصب في الدولة، أبرزها عمله مساعداً للنائب العام الأمير فيصل بن عبدالعزيز آنذاك، ومديراً للمعارف، ووزيراً مفوضاً للرياض لدى المملكة المتحدة، والمنصب ذاته في هولندا. وهناك وزير الدولة الأول للشؤون الخارجية عمر السقاف، الذي تنقل بين ثلاث قارات، فعمل في كل من لندن وإثيوبيا وجاكرتا وإسلام أباد.

وضمت السلسلة مستشار الملك عبدالعزيز وموثق رحلاته السفير يوسف محمد ياسين، الذي عمل رئيساً لتحرير جريدة «أم القرى»، ورئيس الشعبة السياسية في الديوان الملكي، إضافة إلى «ديبلوماسي الأخلاق» محمد الحمد الشبيلي الذي مثّل المملكة في خمس سفارات: باكستان وجارتها اللدود الهند والعراق وأفغانستان وماليزيا، وخدم المملكة حوالي ستين عاماً. وهناك «ديبلوماسي الهدوء المؤثر» عبدالرحمن صالح الحليسي، الذي مثّل المملكة أيضاً في خمس دول بين أفريقيا وأوروبا، هي السودان وإيطاليا والنمسا وبريطانيا والدنمارك. أيضاً مساعد وزير الخارجية الأسبق عبدالرحمن منصوري، والذي تدرج في السلك الديبلوماسي، فعمل ملحقاً أول، ثم ملحقاً ثانياً في وزارة الخارجية، ليسند إليه لاحقاً منصب سكرتير ثالث، فمستشار، ثم وزير مفوض، فسفير، وأُسندت إليه وكالة وزارة الخارجية للشؤون السياسية.

تضم سلسلة «شخصيات ديبلوماسية» أيضاً رجل المسؤوليات الكبرى محمد المرشد الزغيبي، السفير والوزير الأسبق والذي عمل في خفر السواحل العام 1928، لينتقل لاحقاً إلى العمل في الشعبة السياسية بالديوان الملكي، وحط رحاله لاحقاً في وزارة الخارجية سكرتيراً أول، ثم مستشاراً في سفارة المملكة لدى مصر ووزيراً مفوضاً، وعين سفيراً لدى القاهرة في العام 1961. وتحوي السلسلة أيضاً على «ديبلوماسية الإنجاز» ممثلة في الأمير بندر بن سلطان، الذي بدأ حياته الوظيفية ملازماً في سلاح الجو الملكي السعودي العام 1968. وهناك أيضاً عبدالله صالح حبابي، الذي عين سفيراً لبلاده في الفترة بين 1973 إلى 1993 في ثلاث قارات، كانت البداية في أوغندا فالبرازيل ثم أفغانستان، ليعود لاحقاً إلى أميركا الجنوبية سفيراً غير مقيم في تشيلي. أيضاً ضمت السلسلة مندوب المملكة الأسبق في الأمم المتحدة فوزي شبكشي، الذي عمل 38 عاماً عامرة بالإنجازات (كما وصفتها السلسلة)، دشنها سفيراً لدى مانيلا، وانتقل لاحقاً إلى طوكيو فموسكو، قبل تعيينه مندوباً دائماً للمملكة لدى الأمم المتحدة في نيويورك من العام 1999 إلى 2006.

الجائزة الكندية إضافة جديدة لمنجزات الديبلوماسية السعودية، وهي نتيجة جهد سنوات قامت به السفارة بدعم من حكومة خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ويعد ذلك دليلاً على ثقل المملكة في المجتمع الدولي ودورها البارز في القضايا الدولية والإقليمية... والجدير بالذكر أن القائم على التصويت لهذه الجائزة هو مجلس الديبلوماسية العامة الدولية بالتعاون مع جامعة أوتاوا الكندية ومجلة الديبلوماسي الهولندية، وهي جهات مستقلة وذات صدقية... ليكون هذا التوهج محاكاة لما تعيشه المملكة هذه الأيام، أجواء مفعمة بالتفاؤل في ظل الزخم المصاحب لرؤية 2030 الواعدة.