ياسر الغسلان 

لدي قناعة كاملة بأن لدينا الإمكانات البشرية والمالية والفكرية القادرة على نقل حقيقة بلادنا للمجتمع الأميركي إذا ما تم التخطيط لذلك

‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬سبق أن كتبت عن أهمية أن تكون الجهود السياسية والإعلامية التي تقوم بها الجهات المعنية في الدبلوماسية السعودية في الولايات المتحدة الأميركية مبنية على أسس تحليلية تستهدف أساسا تغيير مواقف المؤسسات والأفراد والجهات التي تلعب دورا مؤثرا في السياسية الخارجية الأميركية، وعدم الركون فقط إلى تنمية العلاقات الإيجابية مع الإدارات التي تتولى شؤون البلاد، وبالأخص البيت الأبيض ووزاراته السيادية الأخرى كالخارجية والدفاع.
لا شك في أن العلاقات السعودية الأميركية لها جذور عميقة من التعاون والتاريخ والمصالح المشتركة، إلا أن السياسة الأميركية -كما يعلم الجميع- ليست وليدة آراء أفراد فقط أو مؤسسات، بل هو جهد متراكم يبدأ بمراكز الأبحاث التي تضع المقترحات والبرامج لسياسات تخدم مصالح جماعات ضغط متعددة الأغراض، والتي تمولها لتصل لتشكلها كمشرع في مجلس النواب الذي يقوم بالترويج والدفع نحو تمريره لرفعه لمجلس الشيوخ الذي يصادق عليه من أجل إقراره واعتماده قانونا رسميا للبلاد.
الرئيس دوره في الغالب يشبه دور الرئيس التنفيذي لأي مؤسسة، يقوم بتنفيذ ما اتفق عليه أغلبية الأميركيين، وإن حاول المضي في أحيان أخرى بالاتجاه المعاكس لرأي الأغلبية، وهي محاولات غالبا ما تسعى إلى خلق حوار أو لنقل صراع سياسي بين الحزبين الحاكمين من أجل تغيير التوجه أو إبطال توجه، إلا أنه في الغالب ما تفشل هذه المحاولات في حال كان حزب الرئيس لا يتمتع بالأغلبية.
من أصل مئة عضو في مجلس الشيوخ تمكنت من تحديد مواقف الأغلبية منهم من خلال تحليل تصريحاتهم أو من خلال التوجه التصويتي لهم في القضايا التي تمس السعودية، وتمكنت من الخروج بأرقام لافتة لعلها تساعد الجهات المعنية في جهودها التي أعلم يقينا أنها صادقة وساعية إلى خلق تأثير حقيقي لنا في هذه الدولة التي اعترفنا بذلك أم كابرنا تحكم العالم وتحدد مساراته المختلفة.
من إجمال 96 من أصل 100 عضو ممن تمكنت من تحديد مواقف معلنة لهم باتجاه السعودية هناك 60 عضوا في مجلس الشيوخ لديهم مواقف سلبية تجاه السعودية تتراوح إما بمحاولات تعطيل أوجه التعاون بين البلدين أو بنقد بعض أوجه الحياة في السعودية من حريات وحقوق، تنقسم بين 34 من الحزب الديمقراطي و25 من الحزب الجمهوري إضافة لواحد مستقل، في حين بلغ الأعضاء ممن لديهم مواقف إيجابية تجاه المملكة 34 تنقسم ما بين 11 من أعضاء الحزب الديمقراطي و22 من الحزب الجمهوري عضو واحد مستقل.
وبصرف النظر عن مدى منطقية أن يكون جهدنا السياسي والدبلوماسي والإعلامي باتجاه إعادة توجيه حزب بعينه، وهو أمر من الواضح أنه صعب المنال، خصوصا مع تداعيات إدارة الرئيس ترمب الذي بدوره لم يتمكن حتى هو إلى الآن من أن يحصل على إجماع أو حتى أغلبية عظمى في داخل حزبه الجمهوري تجاه الملفات الداخلية المثيرة للجدل، أقول بصرف النظر إلا أنه من المهم بتقديري أن يكون تركيزنا على محاولة لعب دور أكبر في الدبلوماسية الشعبية عبر العمل على تغيير مواقف الشارع الأميركي في الولايات التي تشهد إجماع عضويها بالسلبية تجاه السعودية، وهم الأعضاء الذين يرددون في الغالب ما يريد الناخب سماعه.
عدد تلك الولايات التي يجمع كلا العضوين بمواقف سلبية تجاه المملكة يبلغ 19 ولاية، من أهمها كاليفورنيا وكونيتيكيت وماساتشوست ونيوهامشاير ونيوجيرزي وبنسيلفينيا وكارولاينا الشمالية وولاية واشنطن، وهي الولايات التي أتصور أن جهدا عمليا يجب أن يبدأ، وذلك من خلال تنظيم البرامج التعريفية عن المملكة ثقافيا وحضاريا وفنيا وشبابيا في الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة والأندية الرياضية والمسارح ودور العبادة المسيحية منها والإسلامية.
أما الولايات التي تتمتع بمواقف إيجابية من العضوين بلغت 6 وهي وايومي وفريجينيا الغربية وأوكلاهوما وميسوري وأيداهو، إضافة إلى هاواي، في حين بلغت الولايات المتأرجحة بين مواقف عضويها 24 ولاية، من أهمها ألاباما وكولورادو وفلوريدا وميريلاند وميشيغن ونيويورك وتكساس وفيرجينيا.
لدي قناعة كاملة بأن لدينا الإمكانات البشرية والمالية والفكرية القادرة على نقل حقيقة بلادنا للمجتمع الأميركي إذا ما تم التخطيط لذلك دون أن يكون المحرك لذلك فقط خلق موجة إيجابية في الإعلام المحلي، فالتركيز فقط على عقد الملتقيات والاجتماع مع السياسيين في العاصمة يجعل مصيرنا معلقا فقط بمواقف هؤلاء المئة من أعضاء مجلس الشيوخ، بينما من المهم أن يتم تغيير مواقفهم بتغير مواقف الناخب الذي يضعهم في الكرسي مجلس الشيوخ لبضع سنين.
انتخابات مجلس الشيوخ القادمة ستجري في السادس من نوفمبر من هذا العام، وذلك لانتخاب 33 عضوا، منهم من سيكون جديدا ومنهم ربما من يعاد انتخابه، وفي ذلك حديث آخر سيأتي في حينه.