عبدالله بن بخيت

لم أعد أتابع الصراعات التافهة كمشارك أو متحمس. مؤيد أو رافض. في محاولة عسيرة أن أبعد نفسي عن السخف الذي زج بنا فيه طويلاً.. فالنتاين، عباية، أصوات المآذن.. إلخ.

قبل عدة أيام سألت شابة كندية ماذا تعرفين عن أصل عيد الفالنتاين. أجابت بكلام مقتضب ينم عن جهلها بالموضوع. اضطررت أن أسأل أكثر من شخص كندي وغير كندي نساء ورجالاً بشكل عشوائي. أوحى لي استطلاعي البسيط أن الشعب السعودي أكثر شعوب العالم ثقافة ومعرفة بتاريخ الفالنتاين.

ندخل اليوم في معركة اسمها الفلول. مطاردة من كان بالأمس سيداً. دخلها العراقيون ضد حزب البعث وما زالوا يتصارعون حتى اليوم. بعد كل هذه السنين أدرجت الحكومة العراقية رغد بنت الرئيس العراقي السابق صدام حسين ضمن قائمة المطلوبين للعدالة. حدثت معركة مشابهة في مصر. بعد ثورة يناير سكت كلمة فلول للتعبير عن بقايا نظام مبارك وأعضاء الحزب الوطني والموالين للحكومة السابقة. شيء ما يشبه التطهير. مصدرها المرارات والكراهية والانتقام والتشفي والشعور بنشوة الانتصار.

ما يحدث في المملكة من تحول في الحياة الاجتماعية لا يعني نهاية صراع بين طرفين وإنما إزالة قوانين عفَّى عليها الزمن كما قلت في مقال آخر. في غفلة من الزمن فرض أصحاب الأفق الضيق قوانين قرية نائية على أمة تعدادها عشرون مليوناً تقع في قلب العالم.

ما حدث في المملكة لم يكن ثورة. كل ما حصل هو تعطيل بعض القوانين التي كانت تضايق الناس وتمنعهم عن الحياة السوية. قوانين تغلق على الناس داخل ثقافة وعقلية القرية، أهلها متوجسون لا يريدون الاتصال بالعالم. تعطيل هذه القوانين لا يعني إبعاد من سن هذه القوانين. هؤلاء قدموا ما يحسنونه.

لم يسع العقلاء أن يحلوا محلهم بل كان جل سعي العقلاء أن يحل هؤلاء المتشددون عن الناس. من حقي أن أقدم وردة إلى صديق أو قريب أو زوجة أو عند زيارتي مريض. لا أسمح لأحد أن يفرض علي وجهة نظره. ولكيلا يحدث هذا مرة أخرى علينا أن نتوخى الحذر. لا نحول ما حدث إلى انتصار. فرق أن تحارب شخصاً في معركة (رابح خاسر) وبين شخص تتصارع معه لتخليص نفسك من قوانينه. لم ندخل يوماً حرباً حزبية. اختراق الحركيين تيار الصحوة لا يعني أن كل محتسب ضايق الناس وآذاهم كان حركياً.

وزع الناس الورود الحمراء على بعضهم البعض دون مضايقة من أحد. ما الداعي لإثارة القضية؟ ولماذا نتحدث عنها في صورة صراع انتصر فيه طرف على آخر؟