زاهي حواس

 استطاع الأمير سلطان بن سلمان أن يتبنى مشروعاً فريداً من نوعه وهو العودة إلى الماضي ومحاولة إحياء الشكل المعماري الجميل والقديم للقرى والمدن أيضاً. 

أما عن البناء بالطين فلدينا في مصر منظر مدون داخل مقبرة الوزير رخميرع، وكان رئيس وزراء الملك تحتمس الثالث أشهر ملوك الفراعنة، والذي يلقب بـ«نابليون العصر القديم»، وخصوصاً لأن حملاته على الشرق حملت طابع حملات نابليون، وكان يصطحب معه العلماء الذين سجلوا ما شاهدوه في سوريا وفلسطين، بل وأدخلوا الزجاج إلى مصر لأول مرة منذ ثلاثة آلاف عام! ونعود إلى مقبرة الوزير رخميرع لنجد أن أجمل ما في هذه المقبرة تعاليم الملك إلى رئيس وزرائه بأن يحكم بالعدل بين الناس وأن يضع أمامه الـ«ماعت» رمز الحق والعدل والنظام. 
أما عن المنظر الخاص بالبناء بالطين والمصور على جدران المقبرة؛ فنرى منظراً لرجلين يجلبان الماء في أوعية من بركة، ونرى أحدهما يدوس في الطين، بينما الآخر يملأ قالباً خشبياً لصنع الطوب ويضيف إلى صفوف من الطوب المرصوص ليجف، وأجمل ما في هذا المنظر هو أنه يوضح لنا عملية صناعة الطوب منذ البداية وحتى استعمال الطوب في البناء، وسوف نجد أيضاً الكلمة الهيروغليفية «چبت» وتعني عند الفراعنة (الطوب)، وبعد ذلك عرفت بالقبطية باسم «طووب» وإلى العربية بـ(الطوب) والتي جاءت منها كلمة adobe وتعني (الطين المجفف تحت الشمس)، ولدينا أقدم سور مبني من الطوب اللبِن، وذلك في المكان المعروف بشونة الزبيب بالعرابة المدفونة بالوجه القبلي... وما زال هذا السور واقفاً حتى الآن ويعود إلى خمسة آلاف عام، أي منذ عصر الأسرة الأولى والثانية من العصر العتيق... وفي العصور الحديثة جاء بعض العباقرة من المعماريين ليقودوا ثورة في استعمال الطوب اللبِن في البناء، وذلك لأنها قد تكون عمارة الفقراء، وذلك لرخص استعمال الطوب، وفي الوقت نفسه يناسب الأماكن الصحراوية؛ ولذلك يعتبر أشهر معماري عند العرب والذي عرف باسم «معماري الفقراء» وهو حسن فتحي، وكذلك المعماري الفرنسي فرنسوا كوانتيرو، وكذلك البريطاني ويليامز إليس.
وللأسف الشديد فقد لاحظ الأمير سلطان بن سلمان أن عمارة الطوب أو الطين بدأت تندثر تماماً، وخصوصاً لظهور الإسمنت والزجاج، وللأسف الشديد اعتقد البعض أن البناء بالطين هو طراز يستعمله الفقراء لرخصه! وهناك بالفعل ضرورة للحفاظ على هذا النوع من البناء الذي يساعد على الحفاظ على التراث الحضاري للأمم. ونعرف أن الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1936م بنى قصراً جديداً وقصراً للحكومة في شمال المدينة القديمة من الطوب اللبِن وباستخدام الطين كملاط، وجاء بعد ذلك الأمير سلطان بن سلمان ليهتم بالعمارة المحلية، حيث إن الطين يمكن الحصول عليه بسهولة، ويمكن مساعدة الفقراء في الحصول على مسكن بأسعار بسيطة، وفى الوقت نفسه عمارة جميلة متوافقة مع البيئة. ولذلك يجب أن تعاد صياغة العمارة الحديثة وتغيير مفاهيمها والعودة إلى البناء بالطين بالنظم الحديثة، وهنا نحن لا نعود إلى الماضي ولكن إلى المادة نفسها التي استخدمت من قبل وأشرفت على الاندثار، وعودتها تعني عودة جمال الماضي بعمارته وفنونه وثقافته