خالد أحمد الطراح

 ذكرى تحرير الكويت، على الرغم من قيمتها الوطنية للشعب الكويتي، فإنها تأتي مصحوبة بشكل تلقائي بآلام الغدر الذي قاده طاغية بغداد في 1990، لذا يجد الانسان نفسه ملزما نحو التمعّن من جديد في كل ما له علاقة بالمعلومات القيمة والوثائق عن «صيف الغدر»، وهو وصف دقيق أطلقه المرحوم الاديب والدبلوماسي احمد السقاف على كتابه الذي نشر طبعته الاولى في عام 1992.
الكتاب عبارة عن توثيق للانقلابات العسكرية في العراق ومجيء حزب المقبور صدام الى السلطة مرورا بكثير من الاحداث المأساوية والاستبدادية التي شهدها العراق حتى غزو وتحرير الكويت وسقوط نظام الطاغية.

من ذاكرة حاضرة ودقيقة روى المرحوم السقاف حكايات وتفاصيل احداث عراقية وعربية في كتابه شملت الى حد كبير ابرز التطورات التي صاحبت اجتياح الكويت، من بينها بعض المواقف والمناسبات التي كان المرحوم السقاف شاهدا على السياسي منها، والبعض الآخر ثقافي وأدبي علاوة، على بعض الطرائف منقولة عن مواطنين عراقيين.
من الروايات التي نقلها الاديب السقاف التي اتسمت بـ«الظرافة» لكنها لم تخل من البعد المأساوي الذي تعايش معه الشعب العراقي خلال حكم طاغية بغداد، ان مواطنا عراقيا روى نكتة اثناء الحرب العراقية الايرانية عن «رجل من البصرة له ثلاثة ابناء، هم: ضرغام وبسام، ومقدام، وقد سيقوا الى جبهات القتال تحت شعار الدفاع عن الوطن والحصول على شرف المساهمة في معركة قادسية صدام، وبعد شهر حملوا اليه ابنه بسام ودخلوا عليه المنزل وقالوا له: البقية في حياتك لقد استشهد بسام في الجبهة. فقال الرجل اني سعيد بهذا الشرف وكلنا فدى للرئيس ولقادسية صدام، وبعد شهرين حملوا اليه ابنه ضرغام وقالوا له استشهد ولدك ضرغام، وهو يقاتل كالأسد، فقال الرجل: كلنا فدى الرئيس وفدى الوطن وفدى قادسية صدام، وسار معهم الى المقبرة ودفن ابنه وتقبل التعازي وعاد الى بيته حزينا مفجوعا، وبعد اسبوعين عادوا إليه وهم يحملون جثة الولد الثالث مقدام، وقالوا له: يا أبا ضرغام عظّم الله اجرك لقد استشهد مقدام، وهو يؤدي واجبه في الدفاع عن الوطن في قادسية صدام، فانفجر الرجل صارخا، وقد بلغ به الانفعال مبلغه، وقال: اريد ان اعرف هل هذه قادسية أبو ضرغام ام انها قادسية صدام؟».
ووصف المرحوم السقاف في احد الفصول «ان مجيء حزب صدام حسين الى الحكم كان طعنة خنجر اصابت العروبة، ومجيء صدام الى رئاسة الجمهورية كان طعنة اخرى في ظهر العروبة، اما غزو الكويت فقد كان الطعنة الثالثة لجميع احلامنا العربية الجميلة».


رواية اخرى تحمل مدلولات مثيرة عن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السابق ياسر عرفات، الذي أيد الغزو الصدامي، تنحصر في ان المرحوم السقاف دعا في منزله الى العشاء «الشاعر محمود درويش مع نفر كريم من الاصدقاء»، وأثناء الحديث عن القضية الفلسطينية فإذا بضجة حول المنزل وأصوات سيارات النجدة ترافق موكب ياسر عرفات الذي كان متواجدا في الكويت بزيارة رسمية، وانضم عرفات الى ضيوف عشاء المرحوم السقاف، لكن الأمسية حملت مفاجآت لعرفات، حيث «أمطره الحضور بالأسئلة واتهموا المسؤولين في منظمة التحرير بالاهتمام بالسياحة والتنقلات بين بلدان العالم والإقامة في فنادق فخمة، وانزعج ابو عمار وأراد ان يرد ردا مقنعا فإذا به يقول اعلموا يا اخوة ان منظمة التحرير بنت الكويت وان ياسر عرفات ابن الكويت، فإذا لديكم نقد فوجهوه للكويت، لاننا جميعا في المنظمة قد انطلقنا من هذه الارض»!


«صيف الغدر» وثيقة تاريخية مهمة تحمل دروسا ينبغي عدم تجاهلها او تناسيها.