سمير عطا الله 

كان الأستاذ غسان تويني يعتبر أنه في الصحافة من أجل العمل السياسي، وفي السياسة من أجل الصحافة. وقد بدأ العملين مبكراً، فورث «النهار» عن أبيه في نحو الثانية والعشرين، وأصبح أصغر نائب في لبنان في الخامسة والعشرين.

ومن خصاله أنه كان معجباً ببعض خصومه، وفي طليعتهم الزعيم الاشتراكي كمال جنبلاط. وذات مرة أراد الاعتراض على موقف سياسي لجنبلاط (لم أعد أذكر ما هو) من دون أن يذكر اسمه علانية. كنت يومها مسؤولاً عن صفحة «قضايا النهار» فاستدعاني وقال لي على طريقته، ما رأيك في مقال تعلق فيه على موقف جنبلاط؟

قلت له، أنا أحب الرجل ولن أكتب شيئاً ضده، ولكن إذا كان لا بد من الاعتراض، فيمكن أن أكتب مقالاً بتوقيع مستعار. أيضاً ضحك على طريقته وقال: خيارك! ومن دون أن أعود إليه، نشرت في اليوم التالي بتوقيع مستعار هو كمال رزق، حرصت على أن يكون أقرب إلى معاتبة جنبلاط من نقده.

في تلك المرحلة كان يزورنا في «النهار»، كل يوم تقريباً، الشيخ عارف اليحيى، المشهور بميزات ثلاث: الظرف والنباهة، والنجاح المادي، والتكرس لصداقة جنبلاط. كانت زيارات الشيخ عارف تتم عادة من بعد الظهر وما فوق. لكنه جاء ذلك اليوم نحو العاشرة صباحاً. وقال لي، بلغة أهل الجبل المألوفة، وهو يضحك عالياً: «إيسَه (الآن) جايي من عند كمال بيك. قال لي روح يا عمي شوف الزلمي صاحبك هيئتو طلع عندهم كاتب جديد من بيت رزق الله بس سبحان الله، الأسلوب أسلوب بيت عطا الله».

في المساء رويت الحادثة للأستاذ غسان فضحك طويلاً وأصرَّ على أن يسمعها من الشيخ عارف نفسه. وطرب الشيخ عارف للفكرة. لقد حقق، هو وزعيمه، نصراً على الخصوم. الأسماء المستعارة في الصحافة تقليد جميل وبالغ الشعبية عند الناس. وقد ظل الزميل مفيد فوزي ينفي طوال عشرين عاماً أنه «ناديا عابد» في مجلة «صباح الخير» والناس كاشفة أمره، إلى أن روى القصة كاملة في مذكراته «نصيبي من الدنيا». وروى معها أنه أخذ الفكرة من زاوية كان يكتبها إحسان عبد القدوس بتوقيع «أم أحمد». 

وكتب أنيس منصور طويلاً بإمضاء «سلفانا». وأعتقد أنه اسم المرأة الإيطالية التي أحبها، والتي طالما كتب عنها في الزاوية المقابلة، عندما كان يطل منها على العالم العربي، والعالم العربي يطل منها على عالم صحافي عالمي.