إدريس لكريني

حلّت، قبل أيام، «ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي»، التي تصادف السابع عشر من شهر فبراير/شباط من كل عام، فقد أحدث هذا الاتحاد، الذي يتشكل من (المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا) بمقتضى «اتفاقية مراكش» خلال هذا التاريخ من عام 1989، ما خلّف أجواء من الأمل والتفاؤل في أوساط الشعوب المغاربية نحو غد أفضل مملوء بالتواصل والتعاون، ومواجهة تحديات مشتركة يفرضها المحيط الدولي المتغير.

تمكّن الاتحاد على امتداد سنوات من تشكيل إطاره التنظيمي والمؤسساتي؛ بعد تنصيب الأمانة العامة المتواجدة بمدينة الرباط، ومجلس الشورى، الذي يتواجد مقره في العاصمة الجزائرية، والهيئة القضائية، التي توجد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، إضافة إلى الجامعة المغاربية والأكاديمية المغاربية للعلوم في العاصمة الليبية طرابلس، إضافة إلى المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية المتواجد في تونس العاصمة.
ثمّة الكثير من المقوّمات والإمكانات المذهلة، التي توفّر الأساس لنجاح هذا التكتل في كسب رهانات داخلية وإقليمية ودولية، فعلاوة على الموقع الاستراتيجي وتنوع الخيرات، وتوافر الإمكانات البشرية والطبيعية، هناك تراكم تاريخي ومشترك ثقافي يدعم هذا الأمر.
ورغم هذه الإمكانات الضخمة، التي تقابلها تحديات ومخاطر اقتصادية وأمنية واجتماعية مشتركة، تواجه المنطقة برمتها في الوقت الراهن، فإن حصيلة الاتحاد جاءت على امتداد ما يناهز ثلاثة عقود من الزمن، هزيلة وضعيفة تعكسها وتترجمها حالة الجمود، التي رافقت هذا الإطار ومختلف الاتفاقية، التي راكمها منذ تأسيسه.
تبرز الكثير من التجارب الدولية أهمية التعاون والتنسيق الإقليميين في فضاءات جغرافية متّصلة، في كسب معارك تنموية واستراتيجية مختلفة؛ ما بوأها مكانة رائدة على المستوى العالمي، وهو ما تجسده التجربة الأوروبية المتميّزة في هذا الخصوص، التي مكّنت دول الاتحاد من طيّ صفحات قاتمة من تاريخها؛ لتنفتح على إرادة الشعوب وآفاق المستقبل، بعيداً عن الحسابات الضيقة والصراعات والأزمات والحروب، وتراكم منجزات سياسية واقتصادية واستراتيجية كبرى.
رغم تزايد المخاطر والتحديات في المنطقة المغاربية في العقدين الأخيرين، سواء تعلق الأمر منها بتراجع ميزان التفاوض في مواجهة الاتحاد الأوروبي بصدد عدد من الملفات والقضايا (التعاون الاقتصادي والهجرة، والصيد البحري..)، أو تمدّد الإرهاب وتنامي الهجرة بكل أشكالها، وارتباك الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا..، فإن ذلك لم يشكّل حافزاً لطي الخلافات، وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين دول المنطقة؛ بل تطوّرت وتصاعدت هذه المشاكل، بما فوّت على المنطقة برمتها فرصاً حقيقية، وكلّفها خسائر باهظة، أصبحت معها المنطقة ضمن التكتلات الإقليمية الأقلّ تعاوناً على المستويين الاقتصادي والتجاري.
ظلّ البناء المغاربي حلماً يراود قادة الحركات الوطنية المغاربية، التي تكتّلت لمواجهة الاحتلال الأجنبي، ورسمت معالم هذا الإطار وآفاقه عبر لقاءات تاريخية، قبل الإعلان الرسمي عن ميلاد الاتحاد في أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
حقيقة أن هناك مشاكل مختلفة تعوق هذا البناء، تتراوح في مجملها بين نزاعات تاريخية وحسابات مصلحية ضيقة وآنية لا يمكن إخفاؤها، غير أن هذا الرهان يظلّ في حقيقة الأمر قدراً جماعياً، وضرورة استراتيجية، وحتماً سيشكّل أولوية كبيرة بالنسبة للأجيال الصاعدة التي ستقتنع بجدواه وحيويته في عالم سمته التهافت.
في الوقت الذي تتزايد فيه المطالب الداعية إلى تمتين العلاقات الاقتصادية بين الدول المغاربية، كسبيل لتشبيك المصالح الكفيلة بتوفير الشروط البنّاءة لتسوية وتدبير الخلافات القائمة، تشير المعطيات الإحصائية والميدانية إلى ضعف المبادلات التجارية بين هذه الأقطار، فيما تزداد الأمور تعقيداً، مع بقاء الحدود الجزائرية - المغربية مغلقة منذ سنوات وبذرائع واهية.
تؤكّد الممارسات الدولية، على امتداد مناطق مختلفة من العالم، أن سياسة إغلاق الحدود ومدّ السّياجات بمبررات مختلفة؛ كالحدّ من الهجرة السرية أو التهريب هو خيار مفلس، ولا ينمّ عن بعد استراتيجي؛ ذلك أن المخاطر تندثر بصورة كبيرة مع تعزيز التواصل، وفتح الحدود، في زمن العولمة التي تفرض تكثيف التعاون ومدّ الجسور والتنسيق على مختلف المناحي؛ لمواجهة تحديات إقليمية مشتركة.
في الوقت الذي نجد فيه الكثير من التنظيمات والتكتلات الإقليمية تحقّق منجزات كبرى على المستويات الاقتصادية منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، لم تتمكّن بعد دول المنطقة من تفعيل هذا الاتحاد، بما يخلّف كلفة وخسائر كبرى بالنسبة للشعوب المغاربية.
لا شك أن إحكام إغلاق الحدود هو تدبير ينمّ عن قصر الرؤية، ويناقض المشترك المغاربي ورغبة شعوب المنطقة في التواصل، فيما تتضاعف المعاناة على الحدود المحاذية للبلدين؛ نظراً للروابط الاجتماعية والعائلية والتاريخية.
إن بناء اتحاد مغاربي في مستوى تطلعات الشعوب وتحديات المرحلة، يقتضي توافر إرادة سياسية حقيقية، تنمّ عن قناعة راسخة بتجاوز الخلافات، ومد جسور التواصل، وإعمال إصلاحات سياسية تنعكس بالإيجاب على الإطار الاتفاقي المؤطّر للاتحاد نحو مزيد من الانفتاح والتشاركية في اتخاذ قرارات مصيرية تحصّن الأجيال القادمة، وتمنح المنطقة مكانة تليق بإمكاناتها المختلفة. 
تزداد التّحدّيات التي تواجه المنطقة المغاربية يوماً بعد يوم، ما يفرض استحضار مصالح الشعوب والالتفات إلى الأصوات البنّاءة، وبلورة مواقف جريئة تدعم طي الخلافات واستثمار المقومات المتوافرة خدمة للمستقبل، بدل هدر الزمن والإمكانات في صراعات ضيقة ومفلسة لن تكون في مصلحة المنطقة برمتها.

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/5120372d-28fd-4ce6-b821-a232ec9e2bdb#sthash.7J7LOIHi.dpuf