فهد الدغيثر

 مع تسارع وتيرة التحديث التي تعم أرجاء بعض الدول العربية، ومنها بالطبع السعودية التي تقفز خطوات مذهلة في هذا التوجه، يتساءل المرء عن دور الإعلام في مواكبة هذا الحراك.

أتحدث هنا تحديداً عن محطات الراديو التي يجدها قائد السيارة خير رفيق له في تنقلاته وعبر الزحام والتوقفات، وتقاس بعشرات الساعات أسبوعياً. في الولايات المتحدة، وهي التي تدرك وتعي هذه الأهمية، يوجد أكثر من ١٥ ألف محطة إذاعية، أي بمعدل محطة واحدة لكل ٢٠٠ ألف مواطن أميركي. في السعودية ربما لا يتجاوز العدد ١٠ محطات، مما يعني محطة واحدة لكل ٣ ملايين مواطن ومقيم. في إمارة دبي تستطيع الاختيار من بين ٣٥ محطة إذاعية متنوعة وبلغات مختلفة، وهو ما يعني محطة واحدة لكل ٥٠ ألف مواطن ومقيم في الإمارة. أما في جمهورية مصر العربية فالرقم يقترب من الحالة السعودية مع تنوع المحطات واختلافها.

ليس ذلك وحسب، بل حتى المحطات القائمة في المملكة على سبيل المثال، وفي غالبها الأعم، باستثناء القليل جداً، لا تقدم إلا أتفه البرامج وأقل الترفيه جودة. في الطرب مثلاً وهو جزء هام في ساعات البث الإذاعيّة، متى آخر مرة سمعتم، ولو بالغلط، صوت طارق عبد الحكيم وطلال مداح وفوزي محسون وعبدالحليم وفيروز وأم كلثوم وورده ونجاة؟ ولن أتساءل: متى شدّكم برنامج وثائقي مهم أو حتى نشرة أخبار تستحق المتابعة؟ معظم ما يتم بثه، ولا أعمم بالطبع، برامج سخيفة وتواصل هاتفي مع الجمهور لا يتناول إلا تفاهات الحديث. هناك بالطبع عدد قليل ومحدود جداً من البرامج الهادفة، لكنك عندما تبحث عنها فكأنما تبحث عن إبرة في كومة من القش.

هذه البيئة الشحيحة من منصات الوعي التي نعرف مصادرها والقائمين عليها أخلت الأجواء لمواقع التواصل، وفي طليعتها «تويتر» الذي لا نعرف من يتحدث عبر منصته وقد لا يدرك الكثيرون الأهداف المشبوهة التي يتم طرحها باسم مواطني البلد.

تساءلت مرات عدة مع الزملاء في قناة «العربية» و «الحدث»، ما المانع من وجود محطة FM لنقل بث القناتين؟ هذه من أبسط الخطوات لتطوير المحتوى المتوافر في الإذاعات الموجودة حالياً. قد تأتي بعدها محطات بلغات أجنبية تتوافق مع تعدد لغات المقيمين وتنقل لهم ما يدور في موطن إقامتهم من أنظمة وأخبار اجتماعية. قد نجد في ما بعد محطة إذاعية تنقل محتوى قنوات تثقيفية كـ «ديسكفري» و «ناشونال جيوغرافيك». محطات تهتم يومياً بقراءة كتاب أو تروي قصة كتاب، ونحن بالطبع من الشعوب التي لا تقرأ، والاستماع لكتاب بدلاً من قراءته قد يكون ضرورياً. محطات متخصصة في التحول الوطني ورؤية المملكة والأحوال الأمنية والجوية وغير ذلك. أخرى لا هم لها إلا التحدث مع قوى العمل السعودية ونقل نجاحات البعض ممن تجاوز العقبات ولديه من التفاصيل ما يستفاد منه.

مما يدعو إلى ارتفاع عدد المحطات في الدول الكبيرة كمصر والسعودية تحديداً تنوع مناطقها وعدد مدنها واختلاف أذواق السكان وأنشطتهم وأخبارهم. تلقيت قبل يومين مقطع فيديو لفتيات قمن بتأسيس وافتتاح مطعم في مدينة حائل السعودية يدار بطاقم نسائي من السعوديات ويفتح أبوابه للذكور والإناث. تحدثت مالكة المطعم عن فكرتها وكيف لقيت الترحيب والدعم والثقة من المرتادين. أشارت أيضاً إلى الأجواء الراقية وعدم وجود أي مضايقات من الشباب. مثل هذه الأخبار المشجعة في تحول عمل المواطن السعودي وسلوك المرتادين واحترامهم، كيــــف تمكن تغطيته والترويج له ودعمه من دون وجود محطات إذاعية في حائل نفسها؟ الحقيقة أن ضرورة انتشار وسائل الإعلام في مدن السعودية لم يعد مجرد ترف بل هو ضرورة تتـــطلبها مرحلة التحول الذي تعيشه البلاد. هذا جزء مهم من التحفيز الذي نفـــــتقده والــــذي يغيب عن الخطوات الهائلة والطموحة التي تمر بالمملكة. وكما أشرت، فقد أخلينا الجو، وبلا وعي منـــا، للغير، لينال من نجاحاتنا ويحـــيك الأكـــاذيب والمـــؤامرات لإفشال أي مشروع يتمكن منه.

إن أردنا مواكبة ما يتطلبه العصر وظروفه والإقلال من تأثير إعلام الخارج وقتل أكبر عدد من الخلايا العميلة المعروفة، فنحن نتحدث عن السماح بافتتاح أكثر من مئة وعشرين محطة إذاعية جديدة في عموم مناطق المملكة. هذا الرقم، نسبة إلى عدد السكان، سيساوي السعودية بالولايات المتحدة الأميركية. حتى في النواحي التجارية فمع مثل هذا الحضور ستقل تكلفة الإعلان، وستتمكن كل محطة من استقطاب المعلنين في مناطق بثها بأسعار منافسة ومقبولة تمكنها من الاستمرار بقدراتها الذاتية.

لا ننسى بالطبع ما سيخلقه هذا الحضور الكبير من منافسة خلاقة تدفع إلى البحث عن الجيد وتترك وراءها ما لا قيمة له. هذا ارتفاع هائل في الوعي العام والشعور بالمسؤولية. بلغة الاقتصاد يعني الحاجة أيضاً إلى عدد كبير من المعدين والمقدمين ومؤسسات الدعم اللوجستي ممن سيجدون الفرص الوظيفية الجديدة أمامهم.