نايف العصيمي 

حدد تقرير بحثي صدر حديثا عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الخيارات المتاحة أمام الأكراد في أعقاب الاستفتاء الذي جرى في أربيل عاصمة الحكم الذاتي لإقليم كردستان بالعراق سبتمبر الماضي، وحصل على ما يفوق 90 % من الأصوات المؤيدة للانفصال عن العراق والاستقلال، واعتبرته الدول المجاورة تهديدا لأمنها القومي وسلامتها الإقليمية، فيما تجاهل المجتمع الدولي الحق في تقرير المصير الذي يمارسه الأكراد.
وكشف البحث الذي جاء ضمن دورية «مسارات» البحثية التي يصدرها المركز، وحمل عنوان: «الاستفتاء الكردي بين البقاء على قيد الحياة والاستقلال»، آثار الاستفتاء على السياسة والأمن العرقيين للمنطقة، مبيناً أنه سواء نجح الاستفتاء الكردي أم لا فإنه يعد الاستفتاء الوحيد الذي يمارس في المنطقة منذ إنشاء الدولة القومية في الشرق الأوسط، ونتيجة لذلك سيكون لهذا الاستفتاء أثر كبير على السياسة العرقية للمنطقة لسنوات قادمة.

جدية التحركات الكردية


أوضح البحث أن نتيجة الاستفتاء لم تكن مفاجئة، وأن المجتمع الدولي لم يكن يحتاج إلى مثل هذا الاستفتاء لكي يدرك أن الأكراد العراقيين يسعون جاهدين لتحديد مصيرهم وتحقيق الاستقلال، مشيراً إلى أنها كانت مسألة وقت قبل أن يحاول الأكراد التأكيد على حقهم في تقرير المصير، حيث إن الأكراد الذين تعرضوا للاضطهاد والتهميش وجدوا أنفسهم في حالة سلام نسبي منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين عام 2003، مبينا أنه منذ ذلك الحين حكم الأكراد أنفسهم بنجاح، على الرغم من القضايا المستمرة مع التحديات الخارجية والانقسام المحلي. ولفت البحث إلى أن الأكراد شاركوا بنشاط في الحرب ضد داعش في العراق وسورية، وأظهروا أهميتهم كحليف غربي موثوق به في حربهم ضد الإرهاب، كما أظهرت أربيل أنها يمكن أن تقيم علاقة عمل جيدة مع كل من أنقرة وطهران، حيث اعتمدت الولايات المتحدة على الأكراد في الرقة وكوباني السوريتين وأيضا في كركوك العراقية، وقامت أميركا بتسليح الأكراد وتدريبهم ودعمهم رغم الاعتراضات القوية من تركيا.

أبرز العراقيل


أشار التقرير إلى أن حكومة إقليم كردستان واجهت انتقادات دولية بسبب الاستفتاء، من ناحية توقيته، ومدى معقوليته، ورفض القوى الإقليمية المجاورة، وعدم وجود دعم دولي، إضافة إلى التشرذم السياسي المحلي والعوامل الاقتصادية والاجتماعية الذي أدى إلى إضعاف نداء حكومة إقليم كردستان من أجل الاستقلال. وأبان التقرير أن ذلك أجبر حاكم إقليم كردستان مسعود بارزاني على التنحي، مما تسبب في أزمة القيادة، والفراغ السياسي، وانعدام الأمن النسبي، وخيبة الأمل لدى الأكراد.
وذهب التقرير إلى أن فكرة الاستفتاء الكردي كانت غير منطقية أو على الأقل لم تحسب جيدا، فكردستان العراق تعاني من اقتصاد هش، وضعف البنية التحتية، وانعدام الأمن الغذائي، وقلة الدعم الدولي، والافتقار إلى القوة العسكرية، وأيضاً الحدود البرية مغلقة أو تسيطر عليها بغداد بشكل غير مباشر، مع توقف جميع الرحلات الدولية من وإلى المنطقة، لكي تمتثل أربيل لإلغاء نتيجة الاستفتاء، لافتا إلى أن الأخيرة استغلت عدم الاستقرار الإقليمي الحالي لمتابعة سياساتها الاستقلالية، بجانب استخدام المشاعر القومية بين الأكراد لإضفاء الشرعية على حكمها، الذي تجاوز الفترة القانونية، للبقاء في السلطة لفترة أطول.

تكرار التجربة الكردية


نوه التقرير إلى أن البلدان المجاورة لكردستان العراق كإيران وتركيا والعراق، ردت على الاستفتاء بقوة عبر إغلاق حدودها، وبعثوا برسائل مؤكدة إلى أربيل بأن الاستفتاء يعتبر تهديدا لأمنهم القومي وسلامتهم الإقليمية، وذلك بسبب أن كردستان المستقلة سوف تشجع الأكراد في تركيا وإيران وسورية على اتباع نفس الطريق، ورفض السماح لأربيل أن تكون ملاذا آمنا لإسرائيل والولايات المتحدة عبر الحدود، لافتاً إلى أن القومية الكردية ليست ظاهرة جديدة ولكن الجديد محاولة توحيد هذه الفصائل الكردية المجهزة جيدا لحروب العصابات غير النظامية لتقويض السلامة الإقليمية للبلدان المجاورة.
وخلص التقرير إلى أن الاستفتاء الكردي ألهم أعضاء الأقليات الإثنية في المنطقة ولا سيما البلدان المجاورة لها، موضحاً أن كردستان العراق لديها عناصر ومكونات ضرورية للاستقلال ومع ذلك فإن الديناميات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة المضطربة ليست مستعدة لهذا العمل السياسي المفكك.