عبدالله السعدون

الاستقبال الرسمي لولي العهد في كل من القاهرة ولندن، والاستقبال الشعبي لمنتخب المملكة في العراق له دلالات كثيرة، من أهمها: ما تتمتع به المملكة وقادتها من ثقل سياسي واقتصادي جعلها بهذه المنزلة بين الدول العربية وبقية دول العالم..

الأسبوع الماضي استقبلت مصر حكومة وشعباً ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان وأعدت له استقبالاً حافلاً منذ دخوله أجواء مصر حيث رافقه تشكيل من الطائرات المقاتلة، ثم استقبله الرئيس السيسي عند سلم الطائرة، بعدها بدأ برنامجاً حافلاً بالزيارات والمباحثات والتعاون المشترك تخللها زيارة لأهم الرموز الدينية في مصر، والاطلاع على مشروعات كبيرة والتخطيط لمشروعات مشتركة، وتكرر السيناريو في المملكة المتحدة، حيث الاستقبال الملكي الحافل والاتفاقيات الاقتصادية الكبيرة والتعاون الدولي.

وقبلها بأيام رأينا روعة الاستقبال لمنتخب المملكة لكرة القدم في العراق وفي مدينة البصرة على وجه الخصوص، وسمعنا عبارات الترحيب بالمنتخب السعودي الذي لعب مباراة ودية مع شقيقه العراقي، حتى الطرقات تزينت بالعلمين السعودي والعراقي. وهو ما يعني فشل كل الجهود الإيرانية لكسب ولاء الشعب العراقي عن طريق تسويق الطائفية والعزف على المذهبية، ونسي كل من في الملعب كل ما قيل لهم عن الصراع بين السنة والشيعة، واحتفلوا بمنتخب المملكة قلب العروبة النابض، ومركز الثقل في العالمين العربي والإسلامي، جماهير غفيرة زحفت إلى الملعب الرياضي وهي متعطشة لرؤية إخوانهم في العروبة والدين ولترفع العلم الأخضر بجانب العلم العراقي كعربون صداقة ومحبة ووفاء.

هذا الاستقبال الرسمي لولي العهد في كل من القاهرة ولندن، وهذا الاستقبال الشعبي لمنتخب المملكة في العراق له دلالات كثيرة من أهمها ما تتمتع به المملكة وقادتها من ثقل سياسي واقتصادي جعلها بهذه المنزلة بين الدول العربية وبقية دول العالم، والدلالة الثانية هي ما حمله ولي العهد من تأكيد على أن المملكة تقود عهداً جديداً من التعاون والتآزر مع مصر، ومع العراق البلد العربي الشقيق الذي تكن له المملكة ويكن لها كل حب وتقدير.

مملكة اليوم تقود العالم العربي نحو الاستقرار والرخاء والتسامح والاعتدال، وهذا يضع عليها أعباءً كبيرة كما يتطلب منها القيام بخطوات كثيرة من أهمها:

أولاً: الاقتصاد هو الأساس لكل تقارب خصوصاً حين يبنى على الربح للطرفين، وهذا يتطلب تسهيل إجراءات التصدير والاستيراد بين الدول العربية وسهولة انتقال الأموال، ومكافحة الفساد بشقيه المالي والإداري، وحين ننظر إلى أوروبا ووحدتها القائمة اليوم نجد أنها بدأت بتعاون اقتصادي أساسه التكامل وفتح الأسواق لمنتجات الأعضاء وسهولة انتقال رأس المال وإيجاد قوانين تحمي المستثمرين وتطبيق الاتحاد الجمركي والتجارة الحرة. العالم العربي يزخر بالكثير من المصادر الطبيعية والبشرية التي لم تستثمر على الوجه المطلوب.

ثانياً: العالم اليوم يتجه نحو السلم وحل الخلافات من خلال المحادثات المباشرة وغير المباشرة كما هو حاصل بين كوريا الجنوبية والشمالية، وبين أميركا وروسيا على سبيل المثال، والعالم العربي يعيش اليوم إفرازات ما سمى بالربيع العربي الذي أتى نتيجة الأخطاء القاتلة من حكومات الدول التي اكتوت بناره فيما بعد، والمملكة ومصر هما الأقدر على نشر السلام والاستقرار في العالم العربي، ومن أهم القضايا التي بحاجة إلى مساعٍ مكثفة لحلها هي القضية اليمنية، وذلك بالضغط على جميع المتحاربين على الساحة اليمنية للقبول بالحلول السلمية وتطبيق القرارات الدولية ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، المملكة ومصر وبالتعاون مع الدول الصديقة هما الأقدر على فرض الحلول التي تصب في مصلحة اليمن وتجريد الحوثي من سلاحه وإبعاد إيران عن الساحة اليمنية، وقد كان لمصر والمملكة تجربة في وقف حرب اليمن بين الجمهوريين والملكيين في ستينات القرن الماضي والتي استمرت أربع سنوات، ولولا تدخل المملكة ومصر في المحادثات التي جرت في جدة وممارسة الضغوط على الأطراف المتحاربة لما توصلوا إلى حل سلمي ووقف للحرب الأهلية، فالحرب يوجد لها أنصار ومستفيدون من استمرارها، إما لمصالح وطموحات شخصية، أو نكاية بالطرف الآخر، كما أنها تفرز طبقات فاسدة تتاجر بالسلاح وتعيش على دماء المدنيين وآلامهم، وتزداد ضراوة وتعقيداً مع إطالة أمد الصراع.

العالم العربي قوة بشرية واقتصادية وسياسية لا يستهان بها، لكن غياب التنسيق والانشغال بالخلافات الجانبية وعدم مراعاة المصلحة العامة جعله مفككاً وضعيفاً، وميداناً للتدخلات الأجنبية، واليوم تقود المملكة حقبة جديدة من التعاون تجلت في دعمها للعراق اقتصادياً وسياسياً، والوقوف بحزم أمام طموح إيران ومحاولاتها المستمرة للتوسع على حساب الدول العربية، وتقوم بتنسيق شامل مع مصر الدولة العربية الكبيرة بإمكاناتها البشرية والسياسية، كما تسعى للتعاون والتنسيق مع الدول الكبرى في العالم ومنها بريطانيا.