جميل الذيابي

تأتي زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة، وهي الأولى له منذ توليه مهمات ولاية العهد منتصف العام الماضي، في توقيت بالغ الأهمية للضيف ومضيفه في آنٍ معاً. فهو ذاهب إلى هناك لتعميق علاقات تحالف يزيد عمرها على 8 عقود؛ حاملاً معه «رؤية السعودية 2030» التي أثارت إعجاب الدوائر الرسمية والقطاع الأمريكي الخاص، باعتبارها المشروع الأكثر جرأة وجدية لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، بما يضمن إقلاع السعودية عما سماه الأمير محمد بن سلمان «إدمان» مداخيل النفط. وتنطوي مشاريع الرؤية، كما هو معلوم، على رعاية صناعات عدة، كالترفيه، والسينما، والتكنولوجيا الرقمية المتقدمة. ولعل شخصية الأمير الشاب باعتباره محدّثاً ورائدَ تغيير هي التي جعلت الصحافة الأمريكية حفيّةً به، ومتابعة لتحركاته ولاهثة وراء تصريحاته.

لكن الزيارة لا تقتصر على تلك الأهداف وحدها، فهي تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة أخطر تحدٍّ، يتمثل في نشاطات الزعزعة التي تقوم بها إيران، وتستهدف بوجه الخصوص حلفاء الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم السعودية، التي تدرك أمريكا وحلفاؤها دورها الحيوي في لجم الإرهاب، والمساعدة في حلحلة مشكلات العالم العربي والإسلامي، وبالضرورة نشر الاعتدال الديني، وتشجيع حوار أتباع الأديان، في مسعى جدي لإقامة عالم أكثر أمناً، يمكن فيه استدامة التنمية وتبادل المنافع.

وكانت المقابلة التي أجرتها شبكة «سي بي اس» مع ولي العهد خير «وفد طليعة» للأمير محمد بن سلمان إلى الشعب والإدارة الأمريكية. فقد أوضح خلالها بجلاء موقف بلاده مما يحدث في فلسطين، وحقيقة موقفها تجاه إيران، منبهاً الغرب إلى أنه لا يريد أن يرى تكراراً لما حدث على يد الزعيم النازي أدولف هتلر، الذي انتهت سياساته الدموية بحرب عالمية لقي فيها ما لا يقل عن مليوني نسمة حتفهم. ولهذا كان ولي العهد دقيقاً في وصفه للمرشد الإيراني علي خامنئي بأنه هتلر جديد. وحذر بجلاء من أنه إذا تمكنت إيران من صنع قنبلة نووية فإن السعودية ستمتلك قنبلتها بأسرع ما يمكن. وشدد على أن السعودية لا تركّز على ما يصنع التوتر. وذكر الأمير محمد بن سلمان أن إيران ليست نِدّاً للسعودية، فهي - أي إيران- ليست حتى ضمن أقوى 5 جيوش في العالم الإسلامي، كما أن الاقتصاد السعودي أضخم بكثير من الإيراني، فالسعودية دولة فاعلة في مجموعة العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم.

وعلى رغم ذلك فإن إيران تسعى إلى تنفيذ مشروعها الخاص بها للهيمنة على الشرق الأوسط. وهو ما يوجب تنسيقاً قوياً بين الحليفين السعودي والأمريكي، لوضع حد لمخاطر الزعزعة الإيرانية التي لا يقتصر تهديدها على السعودية وحدها، بل يعم معظم البلدان العربية والإسلامية. ولعل الجانب الأمريكي أيقن ذلك في سورية، حيث تعمل إيران على الاستئثار بسورية، وقبل ذلك في العراق ولبنان ثم في اليمن وإطلاق الصواريخ الباليستية على السعودية عبر وكلائها الحوثيين.

وتزامن بث المقابلة والزيارة نفسها مع تقرير مجلة «فورين بوليسي» المرموقة الذي ذكر مطلع الأسبوع الحالي أن السعودية هي الدولة الإسلامية الأكبر نفوذاً في العالم، ولذلك فهي جديرة بأن تعوّل عليها الولايات المتحدة، فضلاً عن ثروتها النفطية، وقوتها الناعمة التي لا مثيل لها في العالم الإسلامي.

ولفتت «فورين بولسي» إلى تعهدات ولي العهد في وقت سابق بنشر الإسلام الوسطي المعتدل، وجديته في تدمير الفكر المتطرف، وقد سبق أن قال إن «حقبة 1979 قد ولت» في إشارة مباشرة إلى مواجهة المشروع الإيراني ووقف تصديره الثورة والتطرف.

وكانت السعودية سبّاقة لمحاولات إجهاض أوهام الهيمنة الإيرانية بدءًا من إفشال مخططات الهيمنة على اليمن، وتمزيق العراق واحتلاله من ناحية عملية. ولذلك سارع مسؤولون ومحللون وأعضاء في الكونغرس إلى الإشادة بالدور السعودي في عرقلة المشروع الإيراني. ولعل آخرهم وزير الدفاع الأمريكي الجنرال جيمس ماتيس الذي خاطب أعضاء الكونغرس المناهضين للتعاون الأمريكي السعودي في اليمن الأسبوع الماضي، مؤكدا أهمية استمرار التعاون والتنسيق بين البلدين؛ لأن إيران تهدد بقدر أكبر مصالح الولايات المتحدة في العالم، وتهدد ممرات الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر، عبر وكلائها الحوثيين، وعميلها «حزب الله» الإرهابي.

وهي إحدى النقاط المهمة التي توحد مصالح البلدين.

الأكيد أن الأمير محمد بن سلمان يزور «البيت الأبيض» وهو يحمل تطلعات أمة، وليس قضايا محددة على نطاق ضيق. ويتحادث مع الإدارة والقطاع الأمريكي الخاص بصفته أحد القيادات الأكثر تأثيراً في العالم. وهو يبحث عن حلول ومبادرات عدة؛ لأنه يتولى مسؤولية اقتصاد دولة من ضمن مجموعة الـ 20 الأكبر اقتصاداً في العالم. وقبل كل شيء هو قائد ذكي مؤثر يحمل هموم أبناء وطنه الذين يريد لهم أن يتأهلوا لتولي مسؤوليات كبيرة تواكب الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية في بلاده للتقدم في عالم أضحى صغيراً ومترابطاً ومتشابك المصالح، براية الحزم والعزم والعطاء والنماء، رافضاً أن تبقى المنطقة مسرحاً للعبة الإيرانية الإجرامية ومن يتحالف معها من «الزعران» والمنافقين والحاقدين!.