محمد الشاذلي 

زائرات بيت إحسان عبدالقدوس في مصيف بيانكي في العجمي شرق الإسكندرية، الذي كان في الستينات من القرن الماضي مصيف الأرستقراطية المصرية الجديدة، غالباً لا يشاهدن أكثر من بورتريه للرجل، ودخان سيجاره الشهير قادماً من الشرفة. وإذ يُسأل عن انصرافه وشروده يرد: «دول جايين يتفرجوا على أبو الهول، بيحبوا شهرتي واسمي مش بيحبوني، ولا أجد فيهن تسلية».

كان إحسان يقول ذلك لصديقة الأسرة الكاتبة لوتس عبدالكريم أمام زوجته لولا: «أريد تجربة مثيرة، حدثاً سياسياً ضخماً يزلزل كياني، أو تجربة مجنونة أعيش أحداثها وأسجلها بقلمي». ينظر إحسان إلى الشاطئ المزدحم: «دي كلها قصص لازم أكتبها، فأنا أستمد قصصي من هؤلاء». وكثيراً ما ترى لوتس مؤلف «البنات والصيف» وهو يقفز من على مقعده على الشاطئ، ويختفي بين زحام الأجساد.

ما تفتأ لوتس عبدالكريم تتذكر وقائع عاشتها مع الكبار في عصرها، خصوصاً قصة تأسيس مجلتها «الشموع» (1986) التي صدرت باقتراح عبدالقدوس ومحمد عبدالوهاب وأحمد بهاء الدين. وكتابها الصادر أخيراً عن «الدار المصرية اللبنانية» في القاهرة تحت عنوان «سيرتي وأسرارهم»، أكبر من عودة إلى الزمن الجميل. وإذ تتساءل لوتس التي عاشت حياتها في الوسط الديبلوماسي زوجة للوزير الكويتي عبدالرحمن العتيقي، عن ولعها بالسيرة، فإنها عرفت أن الإفلات من سحر الأسماء الكبرى التي عايشتها، لا يمكن أن يتحقق من دون أن تكتب، ففعلت.

تحكي الكثير من الأسرار عن يوسف السباعي، وثروت عكاشة، وترصد غضب يوسف إدريس عندما أخطأته جائزة نوبل التي فاز بها نجيب محفوظ. وتتذكر مفيد شهاب، وميخائيل نعيمة، ولويس عوض، وفؤاد زكريا، وسناء جميل أو «زهرة الصبار التي لم ينصفها الزمن»، وشيخ الأزهر عبدالحليم محمود، كما تحكي قصة حب عبدالحليم حافظ المستحيلة، ومأساة بليغ حمدي. وتروي عن لقائها في «رامتان» سوزان طه حسين، والأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي الذي قال لها أمام زوجته ليا نادلر: «وأنا شاب كانت لي أطماع أن أكون أديباً، وكنت أكتب القصص والشعر باللغة الفرنسية، وكنت أقلد أسلوب الكاتب الفرنسي أندريه جيد، وفي الكتابة العربية حاولت تقليد أسلوب طه حسين لإعجابي به وبفكره».

تتذكر ابن الباشا يوسف وهبي الذي صار فناناً للشعب، وتكتب عن قناعاته بعلم الأرواح، حتى أنه كتب مقدمة لكتاب «العلاج الروحي» للدكتور علي عبدالجليل راضي، أستاذ علم الطبيعة في كلية العلوم بجامعة عين شمس.

وخصت الدكتور مصطفى محمود بالكثير من صفحات كتابها، هو الذي رفض عرض الرئيس أنور السادات عليه حقيبة وزارية. وتذكر أن عبدالقدّوس، في مرضه الأخير، طلب زيارة مصطفى محمود في الغرفة التي يعيش فيها أعلى المسجد الذي يحمل اسمه، ولاحقاً قال لها صاحب برنامج «العلم والإيمان»: «إن كل من استعمل مخه في عصيان الله أصابه الله فيه». وتقول إنه كان يقصد أحمد بهاء الدين ولويس عوض ثم عبدالقدوس ويوسف إدريس.

وكان عبدالوهاب يعترف أمامه بأخطائه وكأنه أمام كاهن، ويبكي متسائلاً عن طريق للمغفرة، بينما تحوّل مسجد مصطفى محمود مكاناً تجتمع فيه ياسمين الخيام مع الفنانات اللواتي هجرن الشاشة والمسرح إلى الحجاب وتفرّغن لنصائح مصطفى محمود، مثل مديحة كامل وعفاف شعيب وشادية. والأخيرة، كانت تلجأ إليه كثيراً لأخذ النصيحة، ويوم أن كرمت الدولة شادية، منعها مصطفى محمود من حضور الاحتفال قائلاً: «هم يقولون إنك كنت في مجد، وهو ليس مجداً». ولم تذهب شادية وتبرعت لـ «جمعية محمود» ببناية شاهقة في حي «المهندسين».

حكت لوتس عن صديقتها الملكة فريدة، وإذ عرفت التشكيليين صلاح طاهر وصبري راغب وفاروق حسني وحسين بيكار ومحمود سعيد، فإن موسيقي الأجيال محمد عبدالوهاب يستولي على حيز كبير من صفحات كتابها. وتختتم بخالها أمين عثمان، وزير المال الذي اغتالته منظمة سرية في الأربعينات بدعوى موالاته الاحتلال الإنكليزي، وكان السادات بين المتهمين. وتشير إلى أن عبدالقدوس كتب رواية «في بيتنا رجل» من واقع هذه القضية، إذ أخفى في بيته المتهم الأول حسين توفيق. وكان عبدالقدوس أيضاً ضد إقامة الملكة فريدة في منزل لوتس لاحقاً. وتنفي لوتس عن خالها الخيانة بشهادات مؤرخين، بينهم الدكتور عبدالعظيم رمضان، وتؤكد أنه حاول تحقيق مصالح مصر من خلال علاقاته بالدولة البريطانية.