نادية الشهراني

هذه الزميلة ليست الوحيدة التي عانت وتعاني من فلول التشدد أو العنصرية في التعليم ومن توجهاتهم التي تنبهت لها قيادات الدولة والتي تحرص الوزارة حاليا جاهدة على التخلص منها ومن آثارها

الحديث عن مواقف المتشددين في التعليم مؤرق جدا ومقلق للغاية، ربما لأن الضرر الذي يقع في سياق التعليم ينبت عميقا في كينونة الإنسان، ويصبح التخلص منه أشبه بمهمة مستحيلة فـ«عكس عملية التعلم أصعب من التعلم نفسه»، وهذا ما اتفقت عليه الأبحاث التربوية حتى الساعة. أشارك معكم هنا قصة أرقتني منذ مدة، مصدر هذا القلق مرة أخرى هو بعض كوادر التعليم. 
كتبت قبل شهر تقريبا عن أهمية الاعتدال وضرورة أن يتم نشر ثقافة الاعتدال في التعليم وإبعاده تماما عن أي تصفية للحسابات من المتشددين أو المتساهلين، وهذا التوجه هو بالمناسبة توجه الدولة، أيدها الله. بعد تغريدتي بدقائق تواصلت معي إحدى المتابعات العزيزات وسردت لي حكاية حصلت معها في هذا السياق، لا يزال أبطالها على رأس العمل يبثون أفكارهم من كراسي عالية في إدارة تعليم المنطقة المقصودة.
هذه الزميلة العزيزة مسؤولة عن إدارة ما في منطقتها، وهي ممن يشار لهن بالبنان في مجالها، لأنه تخصصها وهوايتها وشغفها. وخلال عمل هذه الزميلة على تحقيق رسالة وأهداف إدارتها بادرت لتنظيم ملتقى علمي للمعرفة والابتكار ودعت العديد من الأسماء المميزة للمشاركة فيه من خلال تقديم ورش العمل والأوراق العلمية والتجارب التعليمية المبسطة في المنطقة. ولأنها قدمت عرضا متكاملا للشركات الراعية والأفراد والمؤسسات المهتمة حصلت على ما تريد، واستكملت كل التراخيص المطلوبة في هذه الحالة، وكانت كل المؤشرات تبشر بنجاح هذا الملتقى بسبب كل ما بذل فيه من جهد واستثمار مادي، ولتكامل الفكر والمكان والمتحدثين والحضور، لكن ما حصل في يوم الافتتاح فاجأها هي والضيوف، وسرق بهجة الحدث العلمي، وجعل الاستفادة منه أقل بكثير من المتوقع.
فبعد اعتذار الإدارات المعنية عن الحضور لأسباب واهية، وعدم دعوة المعلمين والمعلمات المعنيين بالحدث للاستفادة من ورش العمل المتخصصة بحجة وجود مدخل واحد للمركز لا يمكن استخدامه للجنسين! وبعد أن أفاد بعض زملاء وزميلات العمل عن تلقيهم رسائل في مجموعات العمل تثنيهم عن الحضور بحجة دفع الشبهات، تفاجأت الزميلة برئيستها المباشرة وعدد من المحسوبات عليها يغادرن مقر الملتقى بعد الافتتاح اعتراضا على وجود «فراغات» في الحاجز الموضوع بين الجنسين يمكن من خلالها للمشاركين والمشاركات أن (يطلّوا) على بعض! وعندما قالت لها بأن المشاركات يرتدين العبايات الساترة، وهنّ قبل ذلك في هذا المكان للعلم والمعرفة، وأنه لا فرق بين ارتياد المكان أو الذهاب للسوق مثلا للتبضع أو تناول القهوة، قالت لها (لا تخلطي الأمور وتجنبي مثل هذه الأنشطة المثيرة للشبهات والقيل والقال). تقول الزميلة الفاضلة، وهي بالمناسبة أم أيضا، «شعرت بالحرج ليس لأنني أخطأت، لكن لأن مستوى الحديث والتوجيه وسوء الظن المبطن في الخطاب جعلني أبدو كمن يدعو للخطأ السلوكي أو يروج له، بينما كل ما كان يحدث هو ملتقى علمي يتحدث فيه مجموعة من المتخصصين والملهمين لفريق من خيرة أبناء وبنات المنطقة»! تقول تمنيت أنها انتقدت المحتوى العلمي أو خطة العمل أو حتى اعترضت على الأسماء أو الموقع! لكن عزّ عليّ جدا، عليّ كمربية، أن تسيء إلى حدث كامل وتتهم نواياي بسبب ثقوب في الحاجز! 
تضيف الزميلة: «ليت الحكاية انتهت هنا، لكن إحدى المشرفات سألتني بجرأة عن سبب دعوتي لبعض الطالبات اللواتي يختلفن معنا في المذهب!»، تقول «كان السؤال غريبا ويأتي من خارج الزمن»، ولكني قلت للسائلة ما دامت شروط الدعوة تنطبق على الطالبة فهذا هو مكانها الصحيح، وأي اعتراض على هذا هو إثارة للعنصرية واعتراض على دستور الدولة. عند هذه الإجابة جفلت السائلة وتغيرت لهجتها لتبرر سؤالها بضيق المكان وزيادة العدد! 
المثير للعجب أن شخوص هذه الحكاية ما زالوا آمنين وموجودين في مكاتبهم، ويقومون بدورهم في إدارة التعليم! والأسماء موجودة في حال أرادت أي جهة في الوزارة التأكد من عدم تكرار ما حدث! 
هذا التصرف وأمثاله ليس حالة فردية، وهذه الزميلة الفاضلة ليست الوحيدة التي عانت وتعاني من فلول التشدد أو العنصرية في التعليم، ومن توجهاتهم التي تنبهت لها قيادات الدولة والتي تحرص الوزارة حاليا جاهدة على التخلص منها ومن آثارها، ومع كل تقديري للجهود التي يقودها الوزير الدكتور أحمد العيسى لتخليص المناهج الدراسية والمكتبات المدرسية من زخم الأفكار المتشددة، والكتب المحسوبة على منهج الإخوان الضال، إلا أنني أؤمن تمام الإيمان أن المناهج ليست أخطر على الطلاب والطالبات ممن يقوم فعلا بوضع الخطط التعليمية. المناهج ليست أخطر ممن يتابع تنفيذ الخطط من القيادات الأكاديمية أو الإدارية في مؤسسات التعليم، وهي بالتأكيد ليست أخطر من المعلم الذي يستطيع تمرير منهج خفي للمتعلمين دون حتى أن يلاحظه أحد! خلاصة الحديث، لا ضير من مراجعة المناهج وتقليب الكتب تخليصا لها من الآراء المتشددة التي ظلت حتى عهد قريب مسيطرة بالكامل على المشهد، وكأنها الطريق الوحيد للجنة، لكن لنراجع ملفات البشر ومواقفهم أولا وثانيا وثالثا، كي لا يعاد تدوير هذه المناهج والأفكار من خلال الرؤوس! ربما للحديث بقية.