مايكل سينج وجيمس جيفري 

إذا لم تكن الولايات المتحدة قد واجهت ما يكفي من المشكلات بالفعل في سوريا، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدد في الآونة الأخيرة القوات الأميركية بـ«صفعة عثمانية» إذا تدخلت في الاقتحام العسكري التركي في شمال غرب سوريا.

ويوضح التهديد الذي جاء قبل يومين فحسب من زيارة ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت مدى توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وما يتعرض له الحلف التاريخي من انهيار ليضر بكلتا الدولتين. وهناك قائمة طويلة من القضايا التي تثير الشقاق بين الولايات المتحدة وتركيا. فهناك قلق لدى مسؤولين أميركيين وغربيين آخرين من تشديد أردوغان قبضته على السلطة على طريقة فلاديمير بوتين وتجاهله حقوق الإنسان. كما احتج هؤلاء المسؤولون على اعتقال مواطنين أميركيين وأتراك يعملون في البعثات الدبلوماسية الأميركية. وفي الجانب الآخر، يتهم مسؤولون أتراك الولايات المتحدة بالتحريض على محاولة انقلاب عسكرية عام 2016، ضد أردوغان وإيواء رجل يعتقد معظم الأتراك أنه العقل المدبر للانقلاب وهو فتح الله جولن الزعيم الديني الذي يقيم حالياً في بنسلفانيا وكان حليفاً لأردوغان ذات يوم.

والدروب المختلفة التي يسلكها كل طرف بشأن التعامل مع الأزمة السورية لما يقرب من عقد من الزمن، هي سبب الشقاق الحقيقي بين واشنطن وأنقرة. فقد كان أردوغان غاضباً للغاية من إدارة أوباما بسبب ما اعتبره الأتراك عدم مبالاة بالخطر الذي يمثله الصراع السوري على بلادهم. وحين تدخلت الولايات المتحدة في نهاية المطاف، فقد فعلت هذا لتتحالف مع أعداء الأتراك اللدودين وهم ميليشيات وحدات «حماية الشعب» المنبثقة عن حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وتصاعد غضب أنقرة نتيجة لهذا. ومن جانبهم شعر مسؤولون أميركيون بالقلق من اتخاذ أنقرة من متشددين دينيين حلفاء في القتال في سوريا. ولاحقاً، عززت تركيا تعاونها مع روسيا واشترت منها نظاماً للدفاع الجوي الروسي، مما يعقد التزامات تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

والتخلص ببساطة من التحالف المتعثر مع تركيا يغري بشدة واشنطن، كما فعلت في الآونة الأخيرة مع باكستان، بل يغري واشنطن أيضاً على فرض عقوبات على أنقرة بسبب تصرفاتها. وفي المقابل، هناك 67% من الأتراك لديهم وجهة نظر غير محابية عن الأميركيين، ومن المؤكد أن المشاعر متبادلة. ولكن التخلي عن التحالف مع تركيا قد يشكل إضراراً بالذات. وتركيا ليست الرئيس أردوغان ولكنها عملاق جغرافي واقتصادي إقليمي يقف كمنطقة عازلة بين أوروبا والشرق الأوسط، وبين الشرق الأوسط وروسيا. وخسارة تركيا كحليف غربي تعني جذب الشرق الأوسط إلى أعتاب أوروبا، وجذب التخوم المحتملة للنفوذ الروسي إلى قلب الشرق الأوسط. وتركيا تتمتع بأفضل وضع كي تحقق التوازن ضد إيران التي يتنامى طموحها ونفوذها مع شراكتها مع روسيا. والاعتماد متبادل، فمن دون الولايات المتحدة ستقع تركيا تحت رحمة إيران وروسيا.

والحفاظ على التحالف الأميركي التركي والقيم الاستراتيجية التي يستمدها الطرفان منه يتطلب التركيز من جديد على التهديدات الاستراتيجية المشتركة مثل التحالف الروسي الإيراني المتنامي، مع التغاضي عن نقاط الخلاف التي تشتت هذا التركيز. صحيح أن الولايات المتحدة قد يكون لديها القليل مما تستطيع القيام به لتخفيف حدة المخاوف المفرطة التي تستبد بأردوغان، ولكن من الممكن التحلي بمرونة أكبر حين يتعلق الأمر بالأكراد السوريين. والوفاء بالتعهدات التي قطعها وزير الخارجية المُقال «ريكس تيلرسون» أثناء زيارته في الآونة الأخيرة لأنقرة من الأمور الحيوية في التوصل إلى حلول وسط. وذكر مسؤولون أتراك أن هناك تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة وافقت على تقليص حضور الميليشيا الكردية في غرب نهر الفرات حول مدينة منبج الاستراتيجية. ويخشى الأتراك من أن وجود الأكراد هناك يستهدف إقامة منطقة مجاورة من السيطرة الكردية إلى جانب الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا. وتستطيع تركيا في المقابل التغاضي عن وجود دائم للولايات المتحدة ولوحدات «حماية الشعب» في المناطق الكردية شمال سوريا شرق الفرات باعتبارها الطريقة الوحيدة لإبقاء الولايات المتحدة في سوريا.

ويرى البعض في الولايات المتحدة أن أي استيعاب للمخاوف التركية التي تتعلق بالأكراد السوريين يمثل خيانة لشريك أثبت بسالة في قتاله ضد «داعش»، ولكن التوافقات المقترحة تحمل مزايا لكل الأطراف. فتركيا برغم كل ما تبديه من تحدٍّ إلا أنها ستصبح أسوأ حالاً بكثير من دون وقوف الولايات المتحدة إلى جانبها كحليف. والنفوذ الأميركي هو أفضل فرصة لإقناع الأكراد السوريين بالانفصال عن حزب «العمال الكردستاني» وشق طريق خاصة بهم كما فعل أكراد العراق. وبالنسبة للأكراد، فلن تتخلى عنهم الولايات المتحدة في موطنهم في شرق الفرات، بل ستسلم «منبج» ببساطة إلى مسؤولين محليين بموجب ضمانات أمنية أميركية وتركية. والطموحات الكردية قد تكون أكبر ولكن الولايات المتحدة ليست ملزمة بتحقيق طموح كل حلفائها هنا أو في مناطق أخرى، وخاصة إذا كانت هذه الأهداف تهدد حليفاً آخر أو استقرار منطقة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فليس من الاستراتيجي إلى حد كبير أن تتخلى عن تركيا بسبب القضية الكردية. فتركيا تحتل المرتبة السابعة عشرة في ترتيب أكبر اقتصادات العالم، ولديها واحد من أكبر الجيوش في الشرق الأوسط. وفي سوريا نفسها، لا يمكن تقديم الإمداد للجنود الأميركيين الذين يبلغ عددهم حالياً ألفي جندي تقريباً في شمال شرق البلاد من دون الحصول على إمكانية دخول برية وجوية من تركيا نظراً للاشتباه في خضوع العراق للنفوذ الإيراني. والواقع أن من الصعب تخيل أن تستطيع الولايات المتحدة تحقيق شيء يذكر في سوريا عسكرياً أو دبلوماسياً في مواجهة المناوأة العنيدة الإيرانية والروسية ما لم تتوصل إلى أرضية مشتركة هناك مع تركيا حليفنا المفترض.

وبصفة أكثر عمومية، تحتاج الولايات المتحدة إلى حلفاء في مسعاها لمواجهة إيران في الشرق الأوسط، وفي مسعى التفوق فيما وصفته إدارة ترامب بأنه منافسة استراتيجية عالمية مع روسيا والصين. ومهما يكن من شأن مناورات تركيا التكتيكية، فإنها ما زالت تعارض التوسع الإيراني وتخشى من روسيا لأسباب تاريخية وجغرافية. أما فيما يتعلق بالصين، فنجد أن تركيا مرشح جذاب لتوسع مبادة «الحزام والطريق» نحو الغرب، ولكن أنقرة وبكين بينهما خلافات شائكة. وإذا افترق الطريق بين تركيا والولايات المتحدة، فإن بكين وطهران وموسكو لن تكون مسؤولة عن هذا ولكن المؤكد أنها ستكون مستفيدة.

وتركيا حليف صعب، ولكن إذا تركت الولايات المتحدة كل حلفائنا شديدي المراس في الشرق الأوسط، فلن يصبح لدينا حلفاء على الإطلاق. ومع الأخذ في الاعتبار تراكم سنوات من التوترات في العلاقات التركية- الأميركية، فإن العثور على أرض مشتركة مع أنقرة بشأن سوريا وقضايا أخرى لن يكون سهلًا. ولكن هذا ملزم لنا في عالم من المنافسة الاستراتيجية مع قوى تتزايد جشعاً.

*عضو مجلس الإدارة المنتدب لمعهد واشنطن البحثي مسؤول سابق بارز في مجلس الأمن القومي الأميركي

**زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والسفير الأميركي السابق في تركيا والعراق وألبانيا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»