جوش روجين

 أعلنت إدارة ترامب الانتصار بعد ضرب ثلاثة مواقع للأسلحة الكيماوية التابعة للحكومة السورية. ولكن البيت الأبيض لم يتعلم دروس الضربات الجراحية التي نفذت السنة الماضية ضد نظام الأسد، إذ ما لم يتم فرض نوع من المحاسبة على الرئيس السوري، فإن تذبيح بشار الأسد لشعبه بالطرق الوحشية والمخالفة للقانون سيتواصل لا ريب. «المهمة أنجزت!». هكذا غرد ترامب على تويتر صباح السبت، مشيداً بما وصفها ب«الضربة المتقنة» ضد نظام الأسد التي نُفذت بالاشتراك مع الجيشين الفرنسي والبريطاني. ومن الناحية التكتيكية، يمكن القول إن الضربات بدت ناجحة بالفعل. وفضلاً عن ذلك، تبين أن قدرات الدفاع الجوي السورية المبالغ فيها كثيرا كانت عاجزة. وأثبتت التهديدات الروسية بالرد بأنها كانت فارغة. ولم تتعرض قوات الحلفاء لأي إصابات.

وزير الدفاع الأميركي «جيم ماتيس» قال إن هدف الضربة هو تقليص قدرات الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد وردع الأسد عن استخدامها من جديد. والواقع أنه ما زال من المبكر جداً الجزم بشأن ما إن كان أي من الهدفين قد تحقق. ولكن التاريخ يخبرنا بأن الأسد بارع في إخفاء أسلحته الكيماوية واستخدامها مرة أخرى عندما يخفت قرص الضوء الدولي.

مسوِّغ الضربة، وفق «ماتيس»، كان هو فرض احترام المعايير والقوانين الدولية بخصوص استخدام الأسلحة الكيمياوية، التي قال إنها مصلحة أساسية بالنسبة للأمن القومي الأميركي. غير أن أي مسؤول من إدارة ترامب لم يوضح خلال ال24 ساعة الماضية كيف تندرج هذه الضربات ضمن استراتيجية دبلوماسية أو سياسية أكبر بخصوص سوريا. والأرجح أنه لا وجود لأي استراتيجية من هذا القبيل. ولكن حتى إذا حُددت المهمة بشكل ضيق في وقف ما وصفها ترامب ب«جرائم وحش»، فإن الضربات ربما لن تحقق ذلك الهدف.

واللافت أن أي مسؤول من إدارة ترامب لم يقل أي شيء – الجمعة أو السبت – بخصوص الفظاعات الجماعية الأخرى التي يرتكبها الأسد، أو جرائم الحرب، أو جرائمه ضد البشرية. وبالتالي، فإن الرسالة الواضحة التي يبعثون بها إلى الأسد هي أنه حر لكي يواصل قتل شعبه بأي وسائل غير كيماوية.

فعلى بعد بضع كيلومترات فقط من دوما، يدير الأسد مصنعا للقتل والتعذيب كان سفيرُ وزارة الخارجية الأميركية السابق لجرائم الحرب «ستيفان راب» قد وصفه بأنه أسوأ «آلة للموت الوحشي» منذ النازيين. وعلاوة على ذلك، فإن منشقاً سورياً شجاعاً اسمه المستعار «قيصر» أخرجَ من سوريا أدلة مادية ملموسة توثّق تعذيب وقتل الأسد لآلاف المدنيين المحتجَزين، وقال إن 150 ألف سوري ما زالوا معتقلين في سجون الأسد.

والعام الماضي، أكدت وزارة الخارجية الأميركية في عهد ترامب أن نظام الأسد يشغّل فرنا لإحراق الجثث قصد التغطية على حجم الفظاعات الجماعية التي يرتكبها الأسد. وفضلا عن ذلك، فإن الأسد استعمل الحصار لتجويع المدنيين في الغوطة الشرقية لسنوات، ومدفعية النظام قتلت آلاف الأبرياء. هذا بينما قصفت روسيا مستشفيات واستهدفت مدنيين من الجو.

كل هذه الفظاعات تمثّل انتهاكات للمعايير والقوانين الدولية ينبغي على العالم ألا يتسامح معها. ولكنها تتواصل.

نحن هنا لسنا في معرض الحج بتنفيذ مزيد من الضربات. فالضربات الجراحية، مثلما قال «الجمهوريون» خلال إدارة أوباما، تحمل بين طياتها خطراً أكبر وجوائز أقل. والضربات الكبيرة تزيد من ذاك الخطر من دون أي ضمانة على تحقيق النتيجة المنشودة. وبالتالي، فإن ما يتعين على إدارة ترامب القيام به، بتعاون مع الكونجرس، هو استخدام عدد من الأدوات الأخرى التي في حوزتها لوقف ومنع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتواصلة التي يرتكبها الأسد، وفرض العدالة والمحاسبة على الجناة.

وقد حاولت مجموعة من السيناتورات من كلا الحزبي، الشهر الماضي، تمرير مشروع قانون يسمى «قانون المحاسبة عن جرائم الحرب السورية»، بمبادرة من السيناتور الديمقراطي «بنجامن كاردن»، والسيناتور «الجمهوري» ماركو روبيو. وكان مشروع القرار سينص فقط على ضرورة تبليغ إدارة ترامب عن جرائم حرب الأسد، ودعم التحقيقات، ودراسة إمكانية تأسيس محكمة تستطيع محاسبة الأسد. ولكن مشروع القانون احتُجز من قبل سيناتور واحد، «الجمهوري» راند بول. وقد أخبرني متحدث باسم هذا الأخير بأن السيناتور يخشى استخدام التشريع كذريعة لتدخل أعمق في الحرب الأهلية السورية. ولكن هذه الحجة تجاوزتها الأحداثُ الآن، لأن ترامب لم يكن في حاجة لمشروع القانون كذريعة لمهاجمة سوريا. ثم إن ترامب لا يريد تدخلا أميركيا أعمق حتى بعد الضربات.

قبيل إقالته، كان مستشار الأمن القومي السابق إتش. آر. ماكماستر قد ألقى خطاباً في متحف الهولوكوست الأميركي قال فيها من جملة ما قال: «إن على كل الدول المتحضرة محاسبة إيران وروسيا لدوريهما في تمكين الفظاعات وإطالة أمد المعاناة الإنسانية في سوريا». ولكن إدارة ترامب تغاضت عن الفظاعات عموماً، على غرار ما فعلت إدارة أوباما من قبلها. وإلى أن تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأسدَ وروسيا وإيران بسبب كل الجرائم التي ارتُكبت خلال النزاع، فإن المدنيين السوريين سيواصلون المعاناة، وسيكون مصير المعايير الدولية التجاهل والانتهاك.

جوش روجين

محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»