إبراهيم الصياد

 يطل علينا من آن إلى آخر، مَن يردد دعوة «التصالح مع جماعة الإخوان»، ما يشير إلى أن المجتمع المصري يتنامى فيه تيار سياسي يعتقد مَن يروج له، بحسن أو بسوء نية، أن «الإخوان» فصيل متعدد الشرائح ومِن حق الشريحة الخاملة غير المدانة قضائياً أو غير المتورطة في أي أعمال ضد النظام العام والقانون، أن تندمج من جديد في المجتمع.

ويصف أصحاب الدعوة هذه الشريحة أحياناً بالمنفصلين عن «الإخوان»، وأحياناً أخرى بالمتعاطفين معهم، وأعتقد أنه كلام حق يراد به باطل. ويصبح السؤال المنطقي: هل لا يوجد ارتباط حتى الآن مع الجماعة المنحلة قانوناً في مصر؟ الإجابة بلا، وأعتقد أن للتعاطف مع هذه الجماعة مستويين، الأول فكري يرجع للثوابت التي لها مرد ديني، ويحاول بها قادة الإخوان التسلل إلى الإطار المرجعي للآخرين للسيطرة عليهم من منطلق أن المصريين شعب متدين بطبيعته.

والمستوى الثاني سياسي يأتي تدريجياً نتيجة تحول التشبع بأفكار الجماعة إلى اقتناعات سياسية من أبجديات الانتماء للجماعة، تكريس فكرة السمع والطاعة والولاء للمرشد العام. وتبدأ هذه الاقتناعات بالاهتمام ثم الإدراك وتنتهي بالمشاركة التنظيمية التي تتجسد في شكل تكليفات محددة من قبل الدوائر الأعلى.

وتبدو خطورة «التعاطف» في أن الاعتقاد الفكري، كما أوضحنا، يترجم إلى سلوك لا إرادي منحاز إلى كل ما يتصل بفكر وسلوك الجماعة ومنه السلوك العنيف (الإرهاب).

وفي ضوء ما تقدم، يصبح مِن العبث المصالحة بأي شكل من الأشكال مع هذا الفصيل. وتبرز الخطورة أيضاً في أننا، مِن دون أن نشعر، نهيئ لهم الفرصة للتسلل من جديد داخل مؤسسات الدولة وليس مستبعداً بعد فترة من الزمن، طالت أم قصرت، أن يعودوا ويطمعوا في السلطة، ويجروا البلاد إلى حافة الهاوية كما حدث بعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وبخاصة في 2012/ 13عندما تولى محمد مرسي الرئاسة. ولولا ثورة 30 حزيران (يونيو) التي أطاحت حكم الإخوان، لبقيت مصر في نفق مظلم حتى الآن.

وفي ضوء التحليل السابق، فإن التصالح مع جماعة «الإخوان» دعوة يتبناها بعض المثقفين والسياسيين المصريين مستندين إلى حجج تبدو للوهلة الأولى منطقية، مثل جمع شمل الأمة، وإعادة اللحمة للوطن، وتجاوز مرحلة الاستقطاب التي تفتت الجهود وترهق عضد الدولة، وحتى يتفرغ المصريون لمشاريع التنمية والبناء، ولكن هذا في الحقيقة طرح نظري جانَبَه الصواب، لأن الإخوان أنفسهم لم يتمكنوا، عندما أصبحوا على المحك وعلى الأرض، أن يكونـــوا فصيلاً سياسياً وطنياً يذوب في نسيج وبنية المجتمع المصري، بل عندما أخذوا فرصتهم للمرة الأولى للوصول للحكم فشلوا، وذلك منذ أن أنشأ زعيمهم الأول حسن البنا تنظيمهم في العام 1928. ومن هنا فإن قبــول فكرة التصالح مع الإخوان من الناحية العملية، يعني رضوخاً لفكرة انتهاج الأساليب العنيفة، وهو ما يفعله الإخوان ضد الجيش والشرطة ومواطنيهم من المصريين، حيث إن السلوك الذي يتسم بالعنف لدرجة الإرهاب ضد خصومهم جزء لا يتجزأ من طريقة تفكيرهم.

وبالتالي لا توجد احتمالات منظورة لتصالح الشعب المصري مع جماعة الإخوان، ويصبح مصير دعوات التصالح التي يسوق لها البعض التلاشي كغيرها، مثل تلك التي تبناها سعد الدين إبراهيم وغيره من قبل، حيث يظل التساؤل: كيف يمكن تحقيق مصالحة مع من خططوا وعملوا ضد بلادهم وما زالوا؟ وهل هناك في العالم دولة ذات سيادة، وافق شعبها على أن يتصالح مع جماعة تنتهج الإرهاب فكراً وسلوكاً؟

لقد قرر شعب مصر وعن يقين وإرادة التصدي للإرهاب من خلال توسيع عمليات المواجهة الأمنية والفكرية الشاملة من دون هوادة خلال العام 2018، وما زالت مصر تدعو دول العالم إلى توحيد الجهود والتعاون المشترك لمواجهة عالمية شاملة للإرهاب، من منطلق اقتناعها أن العالم كله في قارب واحد، ولا توجد دولة واحدة في منأى من خطر الإرهاب.