محمد علي فرحات

 القمة العربية الثلاثون (عام 2019) تعقد في تونس، ويواكبها في العام نفسه اجتماع اقتصادي عربي أشبه بقمة موازية في بيروت. هذا ما تقرر في القمة العربية التاسعة والعشرين التي اختتمت أعمالها في الظهران (السعودية) قبل أيام وسمّاها الملك سلمان بن عبدالعزيز «قمة القدس».

بعد سنة من اليوم، يتوقع المتفائلون اقتراب حلول لمشاكل عربية، بعد وصول الصراعات إلى طريق مسدود، فتندرج الأطراف في حوار سياسي يشرف عليه المجتمع الدولي الذي ضاق ذرعاً – خصوصاً أوروبا - من الانهيارات في الشرق الأوسط المؤدية إلى إنعاش الإرهاب واستيلاده.

وفي اختيار تونس ولبنان دلالة على الاهتمام بالدولة العربية المدنية الصغيرة المساحة القليلة السكان، ومواجهتها تحديات «الربيع العربي»، التي تفاقمت إلى حد تشكيلها خطراً على الدولة والمجتمع.

ولعل تونس التي كانت سباقة بـ «ثورة الياسمين» على استبداد زين العابدين بن علي، حافظت على هيكلية الدولة والمجتمع، في حين تردت أحوال دول أخرى، ووصل بعضها مثل ليبيا وسورية إلى أشكال عدة من التفتت.

ويشكل صمود الديموقراطية التونسية نوعاً من المعجزة في وطن له تجربة فريدة في العلمنة التي تحفظ الشخصية الوطنية بتراثها القديم والحديث.

وتخوض تونس معارك يومية في الاقتصاد والفكر السياسي والأمن، لتعصم نفسها من المصير المأسوي الذي آلت إليه جارتها ليبيا. وسلاح التونسيين هو الثقافة الوطنية الراسخة التي دفعت حزب النهضة «الإخواني» إلى الاندراج طوعاً أو كرهاً في آلية الديموقراطية وتداول السلطة، فحين حكم «النهضة» عقب ثورة 2011 أدرك مباشرة عجزه عن استيعاب تنوعات المجتمع والسيطرة عليها، ولم تسمح له تقاليد الشعب التونسي باللجوء إلى الأسلوب الذي اعتمده «الإخوان» لاحقاً في مصر بالاستيلاء تدريجاً على السلطات الحكومية والشعبية وضرب رموز الدولة الحديثة وثقافتها.

ولم يلجأ «النهضة»، على رغم أخطائه الكثيرة وتشجيعه المتطرفين الإسلاميين الكثر في تونس، إلى رفض تداول السلطة، فأذعن لنتائج الانتخابات، واستمر شريكاً في البرلمان ومؤسسات المجتمع، فيما دفع عناد «الإخوان» المصريين وغرورهم إلى انفصالهم عن المجتمع المصري العميق الذي لفظهم بتظاهرات غير مسبوقة سمحت بانقضاض الجيش على حكمهم. ولم يأسف على ذلك سوى حلفائهم الخارجيين وبعض قواعدهم المنكفئة والمعزولة عن العالم.

قمة عربية في تونس، تعني دعم الحكم الديموقراطي في ذلك البلد وإنقاذ مجتمعه من ضغوط الجوار الليبي والتقليل من نزعات الإرهاب لدى قطاع من التونسيين الحاضرين في صلب التنظيمات الإسلامية المسلحة التي تهدد العالم بلا استثناء. ويؤدي الدعم العربي لتونس، إلى تشجيع الليبيين على إنقاذ بلدهم وتحريره من الإرهاب، وإلى تطمين الجزائر والمغرب بأنهما في صلب التحالف الإنقاذي العربي وليسا على هامشه.

وبواسطة دول شمال أفريقيا ومجتمعاتها، يبعث التحالف العربي برسالة صداقة إلى القارة السمراء التي تخلى عنها العرب في العقود الأخيرة وتركوها عرضة لصداقات دول لا يخفي بعضها العداء للعرب والرغبة باستخدام أفريقيا جبهة حرب بالاقتصاد والسياسة للمزيد من إضعافهم.

ويأتي اختيار لبنان لاستضافة اجتماع اقتصادي عربي، بمثابة دعم للوطن الصغير الذي ما كاد يتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، حتى جاءت المأساة السورية لتشكل تحدياً أكثر خطورة وتعقيداً، خصوصاً مع انغماس «حزب الله» اللبناني في القتال داخل سورية ونزوح أكثر من مليون سوري إلى لبنان القريب جغرافياً والشبيه اجتماعياً.

ويشكل عنوان الاقتصاد البداية الصحيحة لدعم لبنان سياسياً، لأن اللبنانيين يدركون بالممارسة بأن وطنهم يتنفس من الرئة العربية، ويلمسون مدى حرص العرب، خصوصاً الخليجيين، على سلامة الوطن الصغير، وتشارك في هذا الحرص دول أوروبا ذات العلاقة الخاصة بلبنان والدول الكبرى الثلاث، الولايات المتحدة وروسيا والصين.

ما يشبه قمة اقتصادية عربية في لبنان العام المقبل، يمكن اعتبارها إشارة إلى وصول الحروب السورية إلى الحائط المسدود، وإلى شعور إقليمي ودولي بأن الحل آت وسوف يراعي المجموعة العربية باعتبار ما كان يقال من أن سورية هي قلب العروبة النابض. ولبنان في هذا المجال منصة سياسية واقتصادية ينطلق منها إعمار سورية بشراً وحجراً. ولا يمكن هنا إهمال العلاقة الخاصة بين لبنان وأوروبا، خصوصاً فرنسا، التي ستضغط لعودة الديموقراطية مجدداً إلى هذا البلد. صحيح أنه لم يخسر نظامه الديموقراطي تماماً، لكنه وضعه على مائدة إيران المتسللة من صراعات زعماء الحرب الأهلية ومن فراغ عربي يستدعي من يملأه.