خلف علي الخلف

الضربة أوقفت مسارات بوتين للحل المنفرد وتحت جناحه الملالي وإردوغان، وأعادت الأميركان لاعبا أساسيا، ليعاد مسار جنيف الذي تم تهميشه.

لم يكن من الممكن قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن تنشر الصحافة الرصينة وصف حيوان لرئيس دولة، أو زعيم سياسي دون أن يكون رئيسا، حتى لو جاء هذا التعبير على لسان أحد خصومه، لكن الرئيس ترمب رئيس القوة العظمى في العالم جعل هذا الأمر ممكنا، متداولا، مكررا، عاديا أيضا. كرره عدة مرات، شفاهة وكتابة، وفي التغريدة الأخيرة لم يكرره فحسب، بل جعله تعبيرا «Gas Killing Animal»، مؤكدا عليه كتسمية لطاغية دمشق باستخدام الأحرف الكبيرة في أوائل الكلمات كي يمكن اختصاره إلى GKA، وهذا يعني أن الرئيس الأميركي ليس فقط قاصدا استخدام هذا التعبير وتكراره، بل يريد تحويله إلى مصطلح.

ورغم أني استخدمت شخصيا، البراميلي كوصف للطاغية ونظامه لإفراطه في استخدام البراميل المتفجرة لإبادة السوريين الذين اعتبرهم جميعا حواضن إرهابية إلا من والاه، لكن وصف الرئيس الأميركي أكثر دلالة سياسية في التحرك الأميركي. ليس لأنه أكثر دقة، ولا أكثر شناعة فحسب، لكن استخدام هذا التعبير هو تمهيد للخطوة الأميركية التي تمثلت بضرب منشآت يستخدمها نظام «حيوان الغاز القاتل» لتصنيع الكيماوي. فاستخدام هذا التعبير من الرئيس الأميركي مخاطبا بدرجة أساسية الجمهور الأميركي والغربي، ذو مفاعيل سياسية، تعني شرعنة التحرك الأميركي مع حلفائهم من خارج مجلس الأمن. 

وإذا كان وظيفة استخدام الكيماوي في دومـا اختبار الخطوط الحمراء لإدارة ترمب من طرف الإيرانيين بدرجة أساسية، فإن التحرك الأميركي هو لإنقاذ النظام الدولي بالدرجة الأولى، الذي استقر بعد تفكك الاتحاد السوفيتي على هيمنة القوة الأميركية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، واستقرار القيم الليبرالية التي تقول بنهاية عصر الطغاة، وإنهاء حفلات الإبادة الجماعية لشعوبهم، وانتصارا لمبدأ التدخل الإنساني، ليس فقط ضد إبادة شعب من الشعوب، بل للقضاء على التهديد العمومي للعالم المتمثل بأسلحة الدمار الشامل التي منع النظام الدولي الجديد استخدامها.

ورغم أن السوريين يعتبرون أن استخدام الكيماوي من «حيوان الغاز القاتل» لم يحصد من أرواح شعبهم أكثر من البراميل، وبقية أدوات القتل الجماعي، إلا أن استخدام الكيماوي يقدم ذريعة شرعية للتحرك خارج مجلس الأمن لإنهاء خطر هذا الاستخدام، ومتابعة الضغط لإيجاد الحلول لوضع جغرافي سياسي أصبح معقدا في سورية ويهدد العالم أجمع. 

أشار ترمب في إحدى تغريداته إلى عدم التزام إدارة أوباما بخطوطها الحمر التي وضعتها لنظام حيوان الغاز القاتل، مؤكدا أنها لو فعلت ذلك لأصبح الأسد جزءا من التاريخ الآن. هذا عدا عن كونه صحيحا، فهو يقدم إشارة بالغة الوضوح على أن حكم عائلة الأسد سيصبح جزءا من التاريخ بعد المهادنة الدولية معه، والرضوخ للضغط الروسي ببقائه. 

التطور اللافت في هذه المعمعة هو الموقف الإسرائيلي المتحول من بقاء نظام الكيماوي، حيث أدانت الخارجية الإسرائيلية هجوم النظام السوري بالكيماوي على دوما! وهو ما اعتبرته روسيا استنتاجا متسرعا! وبحسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية التي نقلت عن مسؤولين إسرائيليين أمنيين كبار قولهم إن «نظام الأسد والأسد نفسه سيزولان من الخارطة والعالم إذا حاول الإيرانيون ضرب إسرائيل أو مصالحها من أراض سورية»، ردا على الغارة الإسرائيلية على مطار التيفور الذي يتخذه الحرس الثوري الإيراني قاعدة له وأسفرت عن مقتل عدد من عناصر الحرس الثوري، بما فيهم مسؤولون كبار شيعتهم إيران. هذا إضافة لتصريح وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الثلاثاء، أن «إسرائيل لن تسمح بترسيخ التواجد الإيراني في سورية، مهما كان الثمن». ومهما كان الثمن تعني أنه حتى لو أدى ذلك لإسقاط النظام نفسه. وتزداد أهمية هذه التصريحات بعد أن أعلن وكيل خامنئي في لبنان حسن نصرالله أن إسرائيل بضرب التيفور وضعت نفسها بمواجهة إيران وإنها ارتكبت خطأ فادحا.

عدم تمرير القرار الروسي في مجلس الأمن ولمرتين متتاليتين، يعني أن أميركا هذه المرة لم تقبل أي حركة التفافية، لعرقلة تحركها ضد استخدام الكيماوي، سواء تم ذلك داخل مجلس الأمن أو خارجه، وهذا ما كرره المسؤولون الأميركيون بوضوح. 

بعد تغريدة ترمب التي أعلن فيها أن أميركا ستضرب بالصواريخ الذكية واللطيفة والجديدة، وعلى روسيا أن تستعد، بات واضحا أن الضربة صارت مؤكدة، لكن مسؤولين في البنتاغون أكدوا أن الخيارات كلها مفتوحة، وهذا يعني أنهم فتحوا الباب لخيار «اللا ضربة» أيضا، وأكد ترمب بعد ذلك أنه لم يحدد موعد الضربة، وهو ما يعني إفساح المجال للمفاوضات مع الروس على سلة حل متكاملة للوضع في سورية. لكن المحادثات التي أوكلت للرئيس الفرنسي فشلت على ما أوضح لافروف صباح الضربة.

إن الضربة الأميركية التي انتصرت فيها وجهة نظر وزير الدفاع الأميركي، التي أراد اقتصارها على المنشآت التي يستخدمها النظام في إنتاج الكيماوي، على وجهة نظر الرئيس الذي كان يريدها ضربة قوية توجه للإيرانيين، إضافة لتقويض قدرات النظام العسكرية، وتقويض الدور الروسي، وفقا لما نشر الإعلام الأميركي، خلطت الأوراق من جديد في الخارطة السورية. 

ورغم أن تصريحات البنتاغون والبيت الأبيض التي تلت الضربة أكدت على بقاء وجهة النظر الأميركية فيما يخص الوضع السوري دون تغييرات، فإن الضربة أوقفت مسارات بوتين للحل المنفرد وتحت جناحه الملالي وإردوغان، وأعادت الأميركان لاعبا أساسيا، ليعاد مسار جنيف الذي تم تهميشه، لكن بخطوط حمر أميركية جديدة وجدية، ومدعوم بمفاوضات روسية - أميركية تتضمن هذه المرة ترتيبات ما بعد «نظام بشار»! وهذا أصبح ممكنا بعد إبعاد الفصائل العسكرية الإسلامية المسلحة عن محيط العاصمة دمشق، وضمان عدم حصول مفاجآت تربك حسابات التفاوض، فأقرب الفصائل للعاصمة هي الجبهة الجنوبية، وهم ملتزمون بالقرارات الأميركية.