عبدالله بشارة

 تكلم خادم الحرمين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن الواقع الحاضر فعالجه بالهمة في تأكيد قمة الدمام من أجل القدس، وأعطى بسخاء وعالج بقناعات متأصلة، وتكلم سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر، عن أمله في قيادة المملكة للعمل العربي المشترك، مطالباً بتدارس آليات العمل العربي الجماعي لتحديد الخلل والقصور الذي يعتريه.

والأمل بأن تستجيب الدول لمقترح سمو الامير بعقد لقاء يجمع مفكرين ومن أهل الخبرة لوضع ورقة تشير إلى الخلل الكامن في العمل العربي المشترك، فمنذ قيام الجامعة عقد القادة واحد وأربعين قمة ابتداءً من عام 1946 إلى 2018 بعضها تعامل مع أوضاع عاجلة وبعضها دوري، لكنها لم تنظر في الميثاق الذي أتصوّر بحاجة إلى وقفة عميقة تسهم في إعادة الثقة في العلاقات العربية المحشوة بالتوتر الصامت في جو يذكرني بأقوال جبران خليل جبران عن العيش في ضوء العتمة.
جاء ميثاق الجامعة العربية في وقت مختلف، وأقل خطورة من الوضع الحالي، كان القادة آنذاك ممثلين لشرعية متجذرة لم تأت من انقلاب ولم يجلس في القيادة العربية أشخاص مدفوعون بالتهور والمغامرة، ولم يكن فيهم ضابط انقلب على نظامه الشرعي، كانوا حكماء ومتعايشين بحسن النوايا بلا طموحات زعاماتية، لا تحرّضهم الانتماءات الحزبية، لذلك جاء الميثاق مسالماً لا يتعامل مع عناصر الشر، ولا يوقف الجاهل ولا يصد المعتدي.
فلا أحد كان يتوقّع المآسي الانقلابية مع تصدر القيادة العسكرية، فكلهم شخصيات وطنية تعمل وفق حدودها الوطنية، ولم يأت على البال حدوث انقلابات تطيح بهياكل الدولة وتدمر عروشاً كانت آمنة، جاءتها المأساة من فوضى فكرية وايديولوجية تتطاول على الأمن الوطني تأثر بها ضباط مندفعون بثقافة محدودة وخبرة متواضعة.
حضرت اجتماعات الجامعة العربية في الستينات، في عهد الأمين العام عبدالخالق حسونة، وكان الصراع قوياً وحادّاً بين القاهرة وبين المحافظين العرب الملتزمين برامج وطنية، سخر منها النظام الناصري القاهري فتوقف العمل العربي، وكان المرحوم حسونة يردد بأن سفينة الجامعة لا تبحر في الطوفان ويفضل الهدوء كي لا تغرق، وربما له العذر، فقد كان التحرك غير مأمون.
سمعت وشاهدت تبادلية القذائف الاعلامية السوقية بين الأطراف وظلت الحال إلى أن جاء السادات ونظامه المصري، واضعاً أولوياته للمصالح الوطنية، متخلياً عن ملاحقة الهم القومي، وأكد الرئيس حسني مبارك ديناميكية الحس الوطني ورسخها، لكن قوى التحدي بقيت في بغداد ومع القذافي وتابعين في صنعاء وآخرين، وهم صناع قمة بغداد في مايو 1990، مع ظهور خيوط التآمر على الكويت، ثم جاء الغزو مع بقاء صدام في الجامعة وغياب المحاسبة من الذين تنكروا لميثاق الجامعة وخانوا المبادئ، وهم كثيرون، مارسوا النفاق ورسموا كميناً لدول الاعتدال في الخليج.
كيف يبقى صدام في الجامعة بعد ادانته في قمة أغسطس 1990، لكنه بقى وواصلت الجامعة حياتها العادية وفق النظام العربي السياسي الذي دمره صدام حسين ومساعدوه.
وربما أشير إلى الايجابية النادرة في القمة العربية التي عقدت في الكويت في 29 مارس 2014، برفع علم النظام السوري وتجميد عضويته، لتجاوزه خطوط التسامح في العلاقات بين النظام السوري وشعبه، ومن المؤكد أن الحس الكويتي الذي شخص الواقع العربي لعب دوراً في ذلك.
اتخذت منظمة الوحدة الأفريقية منذ عشر سنوات قرارين استراتيجيين، ساهما إلى حد بارز في استمرار الهدوء والطمأنينة في العلاقات بين الدول الأفريقية، رفض الاعتراف بأي نظام أفريقي يأتي بالانقلابات، مع تأكيد الشرعية، والقرار الثاني اجراءات تأديبية لأي نظام يتجاوز ميثاق المنظمة، ويمكن للجامعة العربية أن تنظر في هذا الاحتمال، فلن يفيد الاستناد على حسن النوايا والشهامة العربية في العلاقات بين الدول التي تحددها ضوابط المصالح المشتركة.
لم تبادر الجامعة العربية في قراءة حقيقية للاسقاطات السلبية التي تركها الغزو على العلاقات العربية مع تجاهل لنتائجها ولوم الدول الكبرى على التدخل، وأقتبس مما نشره السيد هشام الديوان مدير تحرير الشاهد الكويتية في عددها الصادر يوم الثلاثاء 17 أبريل 2018، مشيراً إلى أنه سأل الملك حسين في موضوع الكويت، فيرد الملك:
«لم نتمنَّ ذلك رغم كل ما يمكن أن يقال، الأمر أكبر من الغزو، وأكبر من الرئيس العراقي»، لكن الملك لم يحدد قصده، ويضيف السيد هشام أيضاً انه سأل ياسر عرفات فيرد «الموضوع أكبر من أيدينا، هو انت فاكر أن إحنا اللي بنحكم العالم»، ويرد الرئيس علي عبدالله صالح عبر الوسيط الذي نقل له الأسئلة «إن الأمر المتعلق بالكويت وما جرى لها كان خديعة وتضليلاً وكلنا وقعنا في الفخ حتى صدام نفسه» من وضع الفخ؟ وكيف وقع فيه صدام ومحاموه؟
كان الجدير بالجامعة أن تتوقّف عند محطة الغزو والتفكير بايجابية وموضوعية عن مواقف الدول الأعضاء، ولو وقفت هذه الدول بقوة في وجه الغزو كما وقف الرئيس حسني مبارك، لأدرك صدام حسين ومساعدوه حجم المعارضة العربية والعالمية، لكن وثائق الغزو تكشف مساعي زعماء عرب لإضعاف إرادة التحرير.
العمل العربي المشترك يدعو لوقفة جادة وحازمة لقراءة مسببات التداعي العربي، والخلل في العلاقات بين العرب، هذه رسالة التحدي التي تخرج من كل قمة ومن كل لقاء عربي، وتتسع المسافة بين حقائق العالم وبين عالم العرب..