كان فوز ائتلاف ” سائرون” متوقعا، ولكن ما لم يكن في الحساب، حجم المقاطعة الجماهيرية للانتخابات النيابية في العراق، التي وصلت حتى وفق المعطيات الرسمية، الى زهاء الستين بالمئة، فيما تحليل الارقام،يشير الى ان اعداد المقترعين، في عموم العراق لا يزيد عن 25 بالمئة ممن يحق لهم التصويت.

لقد حصل تحالف ” سائرون” على 55 مقعدا في الدورة الجديدة للبرلمان العراقي، المثلوم بتهم الفساد، والذي كانت دوراته السابقة، وفق راي غالبية العراقيين المكتوين بالأزمات المتوالية، حفلة سمر لا تغني عن جوع، ولا تعيد للعراق، دولة ضائعة، باستثناء القاب الفخامة من قبيل” دولة ” و”ضخامة” بالضاد كما اصر ” معالي” وزير سابق في حكومة ” دولة” المالكي، الأمر الذي اصاب بالإحباط قطاعات واسعة من العراقيين، التزمت بيوتها، ولم تهرع نحو صناديق الاقتراع، تعبيرا عن خيبة الامل من العملية السياسية، الملطخة بالآثام.

ليس المقاطعون افضل من المشاركين، او العكس.

بيد ان فوز” سائرون” العنوان الجديد لتحالف شعبي ، يصر قادته على انه عابر للطائفية؛ على خلفية مقاطعةواسعة للمقهورين ،يعني في الحسابات السياسية، ان شعارات ” سائرون” الجاذبة ، لم تفلح في تعبئة الجماهير المستاءة من الاحزاب الطائفية التي حكمت العراق ما بعد الاحتلال، وجربتها على جلدها، وتعرضت الى شتى انواع الابتزاز،والانتهاكات، والخراب على يدها. 

وبحساب” عرب” فان غالبية عراقية كبيرة، تعارض السلطة، وستعارض قطعا، التحالف القادم الذي سيحكم العراق، من ” المؤلفة قلوبهم” على حب الجيران، وليس اهل البيت!!

ومهما توزعت النسب، فان تخادم المصالح الاقليمية والدولية، هو من سيحدد شخصية رئيس الوزراء القادم. اما المناصب الاخرى، فستوزع بناء على صفقات، تترشح عن الصفقة الام.

في هذا الظرف، يتعين على ” سائرون” ان يعمل منذ الان، لان يتحالف مع الاغلبية الصامتة، التي لم يتمكن خلال الحملة الانتخابية من كسبها الى صناديقه. اي ان يقود معارضة برلمانية فعالة؛ تستند الى الملايين الساخطة، والتي ستفجر في المدى القريب المنظور، ربيعا عراقيا يقلب الطاولة ، ويحطم الكراسي على رؤوس الفاسدين.

لقد رفض علي بن طالب بعد مقتل عثمان بن عفان، الخلافة، لأنهادرك حجم الخراب الذي حاق بالدولة الفتية، وافضى الى مقتل الخليفة الثالث. وطلب ان يستوزر او ان يستشار بدل ان يفشل في اصلاح ما افسد الدهر.

ولبس الكرار، جبة الخلافة علىمضض وكان زاهدا فيها، كما تجمع غالبية المؤرخين. 

ولعل ” الرفيق” مقتدى الصدر، ادرى من غيره بسيرة جده!

اما ” الرفيق” جاسم الحلفي، فلعله يعلم ان زعيم الحزب الشيوعي الروسي، غينادي زيوعانوف ، فاز عمليا في الانتخابات الرئاسية عام 1996، اي بعد خمس سنوات عجاف من انهيار الاتحاد السوفيتي وتفشي الفاقة، والجريمة، وسطوة المافيات في روسيا، لكنه اغمض العين عن تزوير نتائج الانتخابات لصالح المخمور بوريس يلتسين، راعي الفاسدين والمفسدين، ادراكا من الحزب الشيوعي الروسي انه سيفقد اخر ما تبقى له من انصار؛ اذا اعتلا سدة الحكم في بلد خربته المافيات. 

لا فرق كبير بين الخراب الذي يعم العراق منذ الاحتلال، على يد احزاب اللصوصية، وبين ما جرى لروسيا حقبة المخمور يلتسين. الفارق الوحيد ان بوريس لا يعاقرها في الليل، ويفتي بحرمتها في النهار! فقد كان ” يكسرخمارية” منتصف اليوم!

الرفيقان مقتدى وجاسم، لا تلتقطا جمرة السلطة الخبيثة، دعوها لهم،وسترون كيف ستزحف الجماهير الملتاعة ، فتهد العروش، وستفوز

” سائرون “فوزا عظيما لأنها لم تكن معهم!