حسن قايد الصبيحي

 تدور نقاشات علنية وأحياناً فِي الخفاء، أطرافها المهتمون بالشؤون اليمنية تتمحور حول بعض الأسئلة عن مآلات الأزمة، وفِي مجملها تبحث عن إجابات فورية لا تقبل التأجيل. فالحسم الذي طال انتظاره لسنوات بدا أكثر اقتراباً بعد أن تم تشديد الخناق على «الحوثي» وفي كل الجبهات.

فإيران الطرف الداعم ل«الحوثيين» الذي ظن أنه يجيد التخفي وراء تقيته انكشفت عورته أخيراً وبدا محاصراً من كل الجهات إقليميا ودولياً. وزاد ذلك الموقف الأميركي الجديد ومعه المجتمع الدولي الذي يرى بان الوقت قد حان لوضع إيران في حجمها الطبيعي وإعادتها إلى حدودها الجغرافية قبل أن تتمدد إلى حدود إضافية أخرى. ويبدو جليا أن النفوذ الإيراني أضحى عرضة للتقليص بما في ذلك وجودها في سوريا والعراق ومن ثم فان نهاية التدخل الإيراني في اليمن فقد أعلنت إدارة ترامب سياسة جديدة تقوم على منهج المواجهة والتحدي بما يشي بأن ميوعة الموقف الأميركي المتخاذل الذي طبع سياسة أوباما طوال سنواته الثماني وكان فيها يمنح التنازل تلو التنازل للنظام الإيراني ويوالي فيها الإشادة بالقادة الإيرانيين، كل هذا أصبح في خبر كان واستبدل بموقف ترامب الحازم في تحدي الصلف الإيراني، وهو أمر كما نرى لابد أن ينتهي إلى أحد احتمالين: فإما خضوع إيراني كامل للمطالب الاثني عشر التي حدد فيها وزير الخارجية الأميركي موقف إدارته الثابت الذي لا يقبل التعديل، وإما أن تتحمل تبعة حصار شامل ليس له مثيل في التاريخ وفق العبارة الشهيرة التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي، وبدت وكأنها صياغة الرئيس نفسه الذي يروع بها أعداءه، وفِي الحالتين، فإن الثمن سيكون النظام الإيراني ذاته الذي يعاني سكرات الموت واقتراب النهاية لكل أحلام التوسع الإيراني قديمه وجديده.

هذه التحولات الدراماتيكية في الأفق السياسي العام في الشرق الأوسط، وموضوع الموقف الأميركي الحاد ضد النظام الإيراني سيلاقي ترحيباً خليجياً كبيراً، وسيفرض في الوقت نفسه مقاربة جديدة ووضع صيغ جديدة للتنسيق مع أميركا ترامب.

وهذا الموقف سوف يوفر للتحالف العربي دعماً دولياً إضافياً لابد أن تتداعى على أثره ميليشيات «الحوثي» الانقلابية، ويعجل بإنهاء الحرب الدائرة والتي تتواصل فيها همجية «الحوثي». ويضع في الوقت نفسه نهاية للطموحات التوسعية الإيرانية، التي تشكل في حد ذاتها عبئاً سياسياً كبيراً على اليمن ودول التحالف، وهو وإن كان سياسياً إلا أنه لا يقل خطورة عن التحدي الذي فرضته حرب الأربع سنوات.

وهناك بعض القضايا التي ينبغي أن يتشارك الجميع في وضع حلول عاجلة لها تسهيلاً لمرحلة انتقالية يمكن وعبر تحكيم العقل تفادي تفاقمها، كما ينبغي أن نضع في الاعتبار عدم تكرار ما حدث في تجارب دول أخرى خرجت منها مثخنة بالجراح، وانتقلت فيها من حرب تحرير كبرى إلى حروب أهلية، وصراع مليشيات لا يبق ولَا يذر.

ورب قائل إن الوقت مبكّر على طرح مثل هذه القضية وسابق للأوان، وأنه من باب أولى التركيز على توجيه الإمكانيات العسكرية لإنزال الهزيمة النهائية بالعدو، وهذا قول جدير بالتأمل وربما التصديق. إلا أن تجارب بعض البلاد كما هو الحال في الأزمة الليبية والسورية والعراقية يشي بضرورة مواجهة التحديات الاستراتيجية قبل حدوثها، وأن نستثمر اللحظة ونحرص على اختيار الوقت المناسب لوضع الحلول الاستباقية، وهو ما نجح فيه القائد وصاحب الرؤية الاستراتيجية، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حين تنبه وفي الوقت المناسب للتفكير في صيغ بديلة بقصد تفادي وجود فراغ سياسي أو عسكري بعد التحرير، فأصبح هناك جيش يمني قوي ساهمت الإمارات في إعداده وفِي كل الجبهات. كما أن الصيغ القانونية والدستورية محل تفكير وتأمل لسد أي فراغ يصيب السلطة لا سمح الله.