في الوقت الذي لا يزال فيه زعيم التيار الصدري راعي تحالف «سائرون» الذي يضم الحزب الشيوعي، مقتدى الصدر، هو «الدينامو» المحرك للعملية السياسية في العراق، إلى حد دفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى الاتصال به مهنئاً ومطالباً إياه بالتدخل في حل إشكالية «التزوير» الذي لحق بالمكون التركماني في العراق، يحاول البرلمان استصدار قرار حاسم بشأن الانتخابات قد يرتقي إلى مستوى تشريع قانون بإلغائها، أو إعادة العد والفرز يدوياً بنسبة لا تقل عن 5 في المائة، وإلغاء تصويت الخارج، في مسعى يرى المراقبون أنه هدف إلى إعادة قلب التوازنات، بما لا يتيح للصدر ورئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، الذي يتزعم تحالف «النصر»، تصدر المشهد السياسي عبر النتائج التي حصلا عليها، واحتلالهما المرتبتين الأولى والثالثة على التوالي، والحيلولة دون تحالفهما لتشكيل الكتلة الأكبر.

كانت قد جرت خلال الأيام القليلة الماضية مشاورات مكثفة بين مختلف القوى والأطراف السياسية بشأن بلورة صيغة تهدف إلى تشكيل الكتلة الأكبر. ويخوض كل من تحالفي «سائرون» و«النصر» صراعاً حاداً مع تحالفي «الفتح» بزعامة هادي العامري، و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، بدأ يخرج إلى العلن، سواء على صعيد محاولات تفتيت ائتلاف «النصر»، بالإعلان عن انسحاب طرف منه هو «حزب الفضيلة»، وهو ما تم نفيه، أو محاولات «الفتح» استمالة أطراف أخرى إلى جانبه، بما يؤهله لحصد مقاعد يتفوق بها على «سائرون»، بما يضعه في المرتبة الأولى.

ويضاف إلى ذلك حفاوة الاستقبال التي حظي بها الوفدان الكرديان، اللذان يمثلان الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان (الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني)، واللذان أجريا على مدى 3 أيام مشاورات مع مختلف الأطراف السياسية بهدف تكوين الكتلة الأكبر. لكن النائب الكردي في البرلمان العراقي مسعود حيدر، وهو قيادي سابق في حركة التغيير، يرى أنه «رغم الانقسامات الحالية في كردستان، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الأكراد سيأتون إلى بغداد بوفد واحد وبرؤية واحدة عندما تصبح المباحثات جدية»، مبيناً أن «أجواء المفاوضات الحالية لا شيء فيها يختلف عن المفاوضات التي أجريت لتشكيل الحكومات السابقة».

وأكد حيدر أنه «من الضروري أن تتبلور لدينا رؤية في العراق حول أهمية أن تكون هناك معارضة إيجابية لكي نبدأ بالفعل بناء عملية سياسية صحيحة. لكن مع ذلك، فالحديث بجدية قد يكون سابقاً لأوانه، فالكرد مثل غيرهم من القوى العراقية بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقهم، خصوصاً بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني».

وحول ما إذا كان الكرد يدعمون مرشحاً معيناً لرئاسة الحكومة، أكد حيدر أن «الكرد، ومثلما أعلن ممثلوهم، لا يضعون خطوطاً حمراء على أية شخصية، لأن ما يهمهم هو البرنامج، لا الأشخاص».

وعن تداول بعض الأسماء لشغل هذا المنصب، قال حيدر: «مثل هذه الأمور لم يجر بحثها حتى الآن، وبالتالي كل ما يطرح هو بالونات إعلامية».

وكان مصدر سياسي، وصف بالمطلع ورفض الإفصاح عن اسمه، قد كشف أمس عن أبرز الأسماء المرشحة لتولي منصب رئيس الحكومة المقبلة، وقال في تصريح إن «الشخصيات الأوفر حظاً هي حيدر العبادي (رئيس الوزراء الحالي رئيس المكتب السياسي لحزب الدعوة)، وبعده فالح الفياض (مستشار الأمن الوطني)، وبالدرجة نفسها قصي السهيل (القيادي السابق في التيار الصدري النائب الأسبق لرئيس البرلمان)، ومحمد شياع السوداني (وزير العمل والشؤون الاجتماعية القيادي في حزب دعاة العراق - جناح خضير الخزاعي)».

وأضاف أن «التيار الصدري طرح اسم علي دواي (محافظ ميسان الحالي)، ثم تراجع عن الاسم ليطرح اسم جعفر الصدر (ابن عم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، نجل الزعيم الشيعي محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام حسين عام 1980) مرشحاً بديلاً».

وتابع المصدر أن «صالح الحسناوي (وزير الصحة السابق مرشح العراق العام الماضي لشغل منصب مدير عام اليونيسكو) سيكون مرشحاً قوياً، في حال نجح تحالف (الفتح) في تشكيل الكتلة الأكبر، كونه شخصية معتدلة ومقبولة من جميع الأطراف، والحال نفسه ينطبق على ضياء الأسدي (رئيس المكتب السياسي للتيار الصدري)».

إلى ذلك، استهدفت عبوتان ناسفتان، مساء أول من أمس، مقر الحزب الشيوعي العراقي، دون حصول خسائر بشرية. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، وصف جاسم الحلفي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي القيادي البارز في التيار المدني العراقي، ما جرى بأنه «محاولة من الفاسدين والفاشلين لإيقاف عجلة مشروعنا نحو الإصلاح والتغيير، لا سيما بعد النتائج التي حققها تحالفنا (سائرون) الذي يعد العدو الرئيسي لهم».

وأضاف الحلفي أن «هذه المحاولات، ومنها استهداف مقر الحزب الشيوعي، وقبل أيام محاولة احتجازي أمام بوابة المنطقة الخضراء، تهدف إلى إعاقة طريق الإصلاح والتغيير الذي بدأناه ولن نحيد عنه تحت أي ظرف».

وأوضح الحلفي أن «المسائل الأساسية التي سنتفاوض بشأنها هي الخروج من مأزق المحاصصة الطائفية والإثنية، وفتح ملفات كبار الفاسدين، وتقديم الخدمات الأساسية للشعب، وتنويع اقتصاد البلاد، وبناء علاقات متوازنة مع دول الجوار، وإطلاق برنامج تنمية شامل، وهو ما لم يتحقق ما لم نعمل على تشكيل حكومة كفاءات تعمل في إطار فضاء وطني شامل».

وتابع الحلفي أن «هذا المشروع لا يروق للفاسدين والطائفيين الذين يحاولون إجهاضه بكل الطرق، لكن من جانبنا ننظر إلى كل هذه التحديات على أنها لا تشكل أي عائق حيال ما نملكه من عزم وطموح».

بدوره، أكد نائب رئيس الجمهورية زعيم ائتلاف الوطنية، إياد علاوي، أن العملية السياسية في العراق تشوبها المهازل والفضائح، وقال في بيان: «آن الأوان لإعادة النظر بالعملية السياسية برمتها، لا سيما أن العراقيين أضحوا يكتشفون يوماً بعد آخر الانحدار الكبير الذي وصلت إليه العملية السياسية، والمهازل والفضائح التي ترافق مسيرتها، ولعل ما تناقله النواب داخل قبة البرلمان يوم الخميس، وما تسرب إلى وسائل الإعلام، الذي يتحدث عن تلاعب وتواطؤ واضح من قبل المفوضية المسيسة (مفوضية الانتخابات)، لن يكون الأخير في سلسلة الفضائح والفظائع والنكبات».