محمد صلاح 

إذا كان «الإخوان» صاروا على موعد مع مزيد من الحسم والمواجهة والعقاب في الولاية الثانية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فيبدو أن مصير هؤلاء الذين يطلق عليهم الناس صفة «الثورجية»، أي الذين أفرزهم ركام الربيع العربي وشظاياه وكوارثه، سيكون أكثر ألماً، فهم الذين صنعوا أنفسهم في أجواء الفوضى، وتحولوا إلى مشاهير تتخطفهم الصحف والمجلات والأستديوات، وغيروا مفهوم المعارضة السياسية وأساليبها ووسائلها وآلياتها الكلاسيكية، وجعلوها تعتمد على السباب والشتائم أنماطاً معبرة عن الشخصية الثورية بعد الربيع العربي، ولأن توافقاً قائماً بين «الإخوان» وتلك الكائنات الثورية فإن الطرفين يخرجان من فشل إلى آخر من دون أن يفهم أي منهما أن ارتباطه بالطرف الآخر أحد أسباب فشله! عموماً فإن المنصات الإعلامية الإخوانية احتفت بشدة بمكالمة هاتفية أجراها أخيراً نائب الرئيس الأميركي مايك بنس مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وعلى رغم أن المكالمة جرى خلالها الحديث عن موضوعات عدة وأشاد فيها بنس بالتطورات الاقتصادية في مصر، وأكد الشراكة بين البلدين ودعمه المواقف السياسية لمصر، لكن الإعلام الإخواني، وفي ركابه الثورجية بالطبع، اختزل المكالمة في إعراب المسؤول الأميركي عن قلقه من توقيف عدد من الناشطين المصريين المحسوبين على المعارضة خلال الفترة الأخيرة!! بالطبع فإن مواقع وصفحات الثورجية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومعهم بعض رموز النخبة السياسية، سارعت إلى نقل ما بثته القنوات الإخوانية وروجت له اللجان الإلكترونية للجماعة، وكأنهم انتظروا أن يأتي الرد الرسمي المصري بإطلاق الموقوفين من النشطاء الثورجية الذين يهتم بهم الغرب عموماً والأميركيون خصوصاً، لكن المفاجأة أن النيابة المصرية بعدها بساعات قررت حبس واحد من هؤلاء الناشطين لمدة 15 يوماً على ذمة تحقيقات أجرتها معه على مدى يومين، بعد قيامه بنشر أخبار كاذبة وتحريضه ضد جيش بلاده! ليلحق بعدد من زملائه الذين سلكوا السلوك نفسه فلاقوا المصير نفسه.


الربط بين المكالمة الهاتفية لنائب الرئيس الأميركي وبين قرار النيابة حبس الناشط ربما فرضته الصدفة، لكن لا يمكن أن يخفي حقيقة أن القاهرة لم تعد تعطي أهمية كبرى لردود فعل الجهات الغربية تجاه ما تتخذه من سياسات أو قرارات أو مواقف، وأن جموع الشعب المصري صارت لا تثق بتقارير المنظمات الحقوقية الغربية وبيانات المراكز البحثية الأميركية، ولا تصدق القنوات الفضائية القطرية أو التركية، وأصبحت تسخر من أكاذيب الإعلام الإخواني المسنود تركياً وقطرياً والمدعوم من بعض الجهات الغربية.

ويبدو حتى الآن أن «الإخوان» والنشطاء الذين تمتطيهم الجماعة والجهات الخارجية الداعمة للتنظيم لم تدرك بعد حجم كراهية الشعب المصري لكل تدخل في شؤونه الداخلية، ورفضه ممارسة ضغوط لإطلاق هذا الناشط أو ذاك، وأن الانطباعات السائدة في الأوساط الشعبية المصرية عن المنظمات الحقوقية الغربية سلبية للغاية، إذ تصل إلى حد القناعة بأنها صارت أدوات يتم تحريكها لحساب جهات ودول بعينها ضد جهات ودول أخرى، وأن تسرطن تلك المنظمات بعناصر إخوانية نزع عنها الصدقية والاحترام. ويكفي هنا المقارنة بين عدد ونوع ومفردات التقارير التي أصدرتها منظمات حقوقية غربية خلال عام كامل حول الأوضاع في مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وبين تقارير المنظمات نفسها عن قطر أو تركيا.

نعم، ارتفعت في مصر في الأسابيع الأخيرة وتيرة توقيف وجوه محسوبة على الربيع العربي ممن اعتقدوا أن المنظمات الغربية قادرة على حمايتهم ودعمهم، على رغم مخالفتهم القانون وممارستهم سياسات ضارة ببلدهم وتحريضهم ضد مصالح شعبهم واستخدامهم لغة سوقية ومفردات متدنية ومخجلة. ومع الولاية الثانية للسيسي ستتصاعد حملة تنظيف المجتمع المصري من هكذا حالات، ولا يبدو أن ممارسات تقوم على الفبركات ونشر الأكاذيب وإطلاق الشتائم والاغتيال المعنوي لرموز الدولة والنماذج الوطنية صار مسموحاً بها، فالبلد استقر، والفوضى انتهت، والدولة حققت نجاحاً ضد الإرهاب، و «الإخوان» صاروا خارج المشهد السياسي وإن بقوا خلف ستار يراقبون وينتظرون فُرص الانقضاض، ولم يعد الناس يطيقون سلوكاً وأفعالاً وتجاوزات لا يمكن أن تتغاضى عنها أي حكومة في أي بلد آخر، خصوصاً أن من يراجع أفعال كل من تم توقيفهم من الثورجية في مصر أخيراً، سيستغرب كيف لا يخجل الغرب من التعامل مع نماذج كتلك، أو ربما يفهم لماذا يدافع الغرب عنهم!!