المملكة والقضية الفلسطينية: في خدمة من يشوّه التاريخ

 علي بن حمد الخشيبان

السياسة السعودية مؤمنة بكل عمق أن حقوق الشعب الفلسطيني خيار لا يقبل المساومة أبداً، السياسة السعودية تاريخياً لا تتعامل مع الحقوق الفلسطينية كمريض ينتظر الموت بل تؤمن أن حياة القضية سوف تتحقق بوطن مستقل يحفظ الحقوق التاريخية..

لأولئك الذين يعرفون التاريخ ويتذكرون ذلك اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز رحمه الله والرئيس الأميركي روزفلت وكيف طرح القضية الفلسطينية يوم كانت تلك الأفكار الغربية تتصارع من أجل البحث عن وطن لليهود في العالم، الرئيس الأميركي قال عن نفسه بعد أن التقى الملك عبدالعزيز أنه تعلم من الملك عبدالعزيز في خمس دقائق أكثر مما كان سوف يتعلمه عبر وسائل أخرى كالرسائل، وهو يعني بذلك وجهة نظر الملك عبدالعزيز رحمه الله حول فلسطين وتفكير العالم الغربي آنذاك بتحويلها وطناً لليهود، هذه الفكرة التاريخية سجلتها البحوث والكتب والرسائل لتثبت للعالم أن مؤسس الدولة السعودية الثالثة قد وضع القضية العربية الأولى كأحد القيم الثابتة في سياسات المملكة العربية السعودية على مر السنوات.

استمرت القضية الفلسطينة وحق الشعب الفلسطيني يشكل أحد أهم الأسس والقواعد المكونة للسعودية وسياساتها الداخلية والخارجية وعرّضت المملكة أمنها القومي عدة مرات للخطر في سبيل هذه القضية التي يؤمن بها كل حكام المملكة منذ عهد المؤسس رحمه الله وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ولعل الجميع يتذكر القرار التاريخي للملك فيصل رحمه الله بقطع البترول وكيف كان ذلك القرار جريئاً وحازماً، كل ذلك حدث من أجل القضية الفلسطينية التي يؤمن بها الشعب السعودي كإيمان قيادته دون تفريق.

لم تزل المملكة وسوف تظل منخرطة في خطاب سياسي ودعم لن يتوقف ليؤكد دفاعها عن القضية الفلسطينية، ولن يكون الحديث عن الدعم المالي والسياسي هو الهدف النهائي للسياسة السعودية، فما قدمته المملكة خلال تاريخها من جهود ليس تعبيراً عن دعم قضية يمكن خسرانها في يوم من الأيام، السياسة السعودية مؤمنة بكل عمق أن حقوق الشعب الفلسطيني خيار لا يقبل المساومة أبداً، السياسة السعودية تاريخياً لا تتعامل مع الحقوق الفلسطينية كمريض ينتظر الموت بل تؤمن أن حياة القضية سوف تتحقق بوطن مستقل يحفظ الحقوق التاريخية.

لا ترى المملكة كما تصف سياساتها أن ما تقدمه للقضية الفلسطينية هو مجرد مواقف سياسية ودعم مالي وتعزيز اقتصادي له فوائد سياسية، السياسة السعودية لا تتحدث إلا عن هدفها النهائي المتمثل في حفظ حقوق فلسطين وقضيتها، ولذلك لن تجد في تاريخ المملكة قوائم إعلامية تتحدث عن المال أو الدعم السياسي الذي قدم لهذه القضية بل إن ذلك ممنوع ولا يتحدث أحد عن أي شيء مثل هذا، فعلى مدى عقود مضت ومنذ اللحظة الأولى لنشأة هذه القضية لم يتحدث أي مسؤول سعودي عن حجم المال أو الدعم الذي يتم تقديمه، فالمملكة تنظر إلى ذلك كجزء من واجباتها ومرتكزاتها وعندما تكون القضية الفلسطينية من مرتكزات الدولة السعودية فهذا يعني التصاقاً تاماً بين هذه القضية وبين المملكة ككيان سياسي.

هنا نأتي إلى السؤال المهم ففي خدمة من يروج التشويه للتاريخ؟، وجهة النظر التاريخية للمملكة لم ولن تتغير فيما يخص القضية الفلسطينية، وهنا لا بد من الحديث عن كيانات سياسية في المنطقة وعلى رأسها إيران أو الجماعات المتطرفة التي ولدت على ضفاف القضية الفلسطينية حديثاً حيث ولدت هذه الكيانات سفاحاً على تخوم قضية عربية تتجاوز في عمقها أعمار تلك الأصوات التي تعتقد أن القضية الفلسطينية مجرد شعارات، لم يعد هناك شك أن المساهمين في صناعة التجزئة في عمق القضية الفلسطينية وتشويه التاريخ في خريطة هذه القضية هي دول مثل إيران وجماعات متطرفة شهد التاريخ أنها تدفع بالتشويه والشيطنة خدمة لمصالحها الخاصة.

إن أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية اليوم هو اختزالها عبر دعم إعلامي سطحي لتشويه تاريخ هذه القضية وقطع أوتارها عبر دول تسعى إلى تحقيق طموحاتها الجيوسياسية على حساب هذه القضية، إن كل ما يجب أن نتنبه له اليوم هو أن اجتزاء تاريخ هذه القضية بشعارات مرتبكة مسرحها الإعلام ووقودها تشويه التاريخ، كل ذلك لن يقع في خدمة القضية الفلسطينية، بل سوف يشرذم الأهداف ويمنح الآخرين فرصة التراجع عن كل مشروع سياسي قد يحقق انتصاراً لهذه القضية.

إن اختزال القضية الفلسطينية في كم المال أو كم الدعم السياسي منهج خبيث تروج له دول خبيثة وجماعات أكثر خبثاً، بينما الحقيقة أن الأهداف الصادقة لدولة مثل المملكة وغيرها من أبناء الخليج العرب الصادقين مع التاريخ والمؤمنين بهذه القضية تتجاوز هذا المفهوم بعيداً، لأن الأهداف السياسية السعودية أن يوجد حل للقضية الفلسطينية وليس البحث عن منافسة في كم التمويل المالي أو السياسي للقضية الفلسطينية.

إن عملية التشويه التي تتعرض لها القضية الفلسطينية تلعب دوراً بارزاً في إرباك أهدافها الراسخة وعلى الشعوب العربية أن تضع حداً فاصلاً تؤمن من خلاله أن تلك الشعارات التي تملأ الإعلام ليست سوى لمجموعات صغيرة من الأفراد نشأت وترعرت بينما الدعم يتدفق عليها من دول عربية وخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي لن تتراجع عن دعم هذه القضية مهما كانت الأعباء فشواهد التاريخ أثبتت ذلك بلا جدال.