سعود الشهري

طرح أحد أعضاء مجلس الشورى الدكتور فايز الشهري اقتراحات قانونية جديدة أراها رائعة ومطلوبة في الوقت ذاته تتعلق بالآداب العامة والذوق العام، وكانت في مجملها كذلك.
والذي نراه في واقع المجتمع الشبابي يحتاج إلى قوانين لا تقل عددا وعدة عن تلكم المطروحة في المجلس.


فإنك عندما تنزل إلى أحد التجمعات ستجد الثقافات النيجيرية والتركية والباكستانية والأفغانية والبنجلاديشية واليمنية حتى، ونحن هنا لا ننتقص من قدر أحد إلا أن لكل أمة خصوصيتها وتراثها الخاص وثقافتها التي رسمتها ظروفها الأركيولوجية والأنثروبيولوجية، هنا وبين هؤلاء الشباب تلاحظ الثقافات «غير السعودية» متمثلة في ألبسة يرتدونها من «شال» يغطي الفم فقط مع نصف الرأس الخلفي في مشهد «مزري»، أو ترى قبعة الباكول الأفغانية Pakol تتأرجح على رأس أحدهم فتصبح في شك بين كابل والرياض، أو قد ترى واحدة من قلانس أحمد شاه مسعود منتصبة فوق جمجمة أحدهم دون أن يكون له أدنى خلفية عما حمل رأسه المسكين، وتارة ترى «الطربوش» مجخيا على رأس أحدهم ذاهبا آيبا لا يعلم عن طربوشه حتى اسمه، وإلى غير ذلك من الألبسة والقمصان التي لا تمت لثقافتنا بصلة!
في مختلف الشعوب يعتز كل قوم بإرثهم الثقافي الذي لا يتعدى عمره عند بعضهم ربما المئة عام، بينما نجد الكثير من أبناء مجتمعنا يفشل في هذا النطاق، ويتطفل على موروثات أجنبية عن موروثه، علما بأن زينا السعودي ذا أصل ثابت ضارب في القدم وفرعه في السماء.
فـ «الشماغ» هو زي اعتاده السومريون - وهم من أسلاف العرب الحاليين ممن هاجر من الجزيرة العربية إلى جنوب العراق، كما ذكر الأستاذ عبدالمنعم المحجوب في كتابه «ما قبل اللغة». ويعود زمن «شماغنا» هذا إلى ما يربو على 5000 سنة قبل الميلاد، وكانوا يطلقون عليه «إش ساخ» أي غطاء الرأس العظيم.
وبعد الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1918 وجدت شركات النسيج البريطانية سوقا واعدا في صناعته، فصنعت ما أسمته «الشماغ اللندني»، ومن هنا دخلت الأشمغة الإنجليزية هذا المجال، فلم تكن هي منشأه الأول حاشا وكلا.
ولزينا التقليدي هذا حديث ذو شجون، فعندما يُرى الرجل مرتديا له بدون «عقال» فهذا يعني أنه يعيش في حزن أو أنه يطلب ثأرا عشائريا -كما كان سابقا-، وعندما يضرب به أرضا وسط «الديوان» أو المجلس فهذا يدل على جزمه لطلب 
أمر ما، أما عندما يضع عقاله على شماغه الرائع فهنا الأمور مستقرة والدنيا تسير بسلام.
وأما عن العقال فسيد العقائل «عقال فيصل»، وهو العقال المقصب الذي كان يرتديه الملك فيصل رحمه ومن قبله أبوه وأجداده، وقد ذكر المؤرخون أن العقال تطور عبر الزمن؛ فقد كان حبلا تربط به الناقة وعند التنقل والترحال يربط على الرأس، وهذا رأي ربما أخالفه بقولي إنه زي لا يعد لغير اللبس وإن استخدمه بعض الأقدمين لشيء آخر كما ذكر.
وأما الثوب أو القميص أو الدشداشة أو الكندورة فهو لا يقل ثقلا تاريخيا عن أخويه الشماغ والعقال، فهو لباس الرجل العربي منذ الأزل وهو لباس فضفاض يوائم كل الفصول والظروف، والحديث عن هذا ذو شجون.
ولا شك أن من أهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانسلاخ عن إرثهم هو الانهزامية النفسية التي شكا منها القس القرطبي Alvaro de cordoba عام 240 من الهجرة عندما مرت هذه الموجة بالشباب المسيحيين الأوروبيين، الذين كانوا يتفاخرون بتحدث اللغة العربية ويمزجونها ببعض كلماتهم في حديثهم، كدليل على الثقافة في تلك الأزمان، عندما كانوا يتعلمون في الأندلس، بل وقد اشتكى الأسقف الصليبي مرسلا إلى البابا من حال قومه الذين أصبحوا يقلدون العرب في جعل «الكوفية» العربية فوق خوذة الحرب، وكان «روجيه الثاني» إمبراطور النورمان في صقلّية يلبس ثوبا عربيا دليلا على الوجاهة والتحضر.
مما سبق يتبين لك عزيزي القارئ أن الزي السعودي ذو أصالة وعراقة لا ريب ولا شك، كما هو الحال في أكثر البلاد العربية خاصة والغربية عموما، فألبستهم ربما تكون ذات إرث هي الأخرى لكنها تخصهم وحدهم، وعندما ترتدي أيها السعودي هذا اللباس الشامخ الأصيل فإنه لا ينبغي إلا أن تشعر بالشموخ والأناقة والأصالة في آن واحد.
وكم كان جميلا صائبا ذلك القرار الذي وجهه الأمير خالد الفيصل بإلزام المواطنين العاملين بالقطاع الخاص بالزي السعودي، ووجه بتشكيل فرق عمل لمتابعة تنفيذ القرار، قرار صائب أتمنى تعميمه على سائر المناطق لنحافظ على هويتنا وسمتنا المتألقتين المنحوتتين الفائحتين من عبق التاريخ الخالد.
واليوم ها نحن نرى معالي السفير الصيني يرتدي الزي السعودي مستقبلا ضيوفه في حفل الإفطار الرمضاني، فما أجمل زينا السعودي وما أجمل التزامنا به لنظهر حضارتنا للشعوب الأخرى، محتفظين باحترامهم واحترام خصوصياتهم، ولعمري ما زاد احترام الآخرين لنا شيء كما يزيده الاعتزاز بالهوية ومحاربة الانسلاخ الثقافي.