مصطفى الفقى 

قضيت فى خدمة السلك الدبلوماسى خمسة وثلاثين عامًا قبل أن انتقل إلى العمل البرلمانى ثم الأكاديمى ثم الثقافى، وبذلك كنت ممنوعًا من الانضمام إلى الأحزاب السياسية ولكن عندما تركت وزارة الخارجية وتم تعيينى فى مجلس الشعب الأسبق أصبحت تلقائيًا عضوًا فى الحزب الوطنى ولكن إرادتى دائمًا كانت تهفو إلى حزب الوفد فأنا قريب للمغازى باشا القطب الوفدى الكبير بمحافظة البحيرة وقد عشنا معه وتربينا فى أملاكه الواسعة، ومازلت أتذكر عندما تجاوزت الخامسة من عمرى بشهور قليلة جاءت انتخابات عام 1950 التى فاز فيها ابن الباشا محمد المغازى على نائب المرشد العام للإخوان المسلمين (أحمد السكري) فى دائرة المحمودية ورأيت تجمهر الناس وراء مرشح الوفد وظل الأمر مترسبًا فى أعماقى حتى بدأت الدراسة للدكتوراه فى جامعة لندن حول دور الأقباط فى السياسة المصرية، ولقد كان الأمر برمته يتمحور حول ثورة 1919 ودور حزب الوفد فى تلك الفترة حتى ثورة عام 1952، وقد تعززت صلتى بالوفد أثناء رئاسة فؤاد باشا سراج الدين له وقد كانت صلتى به قوية لأسباب متعددة وجمعتنى به لقاءات دائمة تعلمت فيها من ذلك الرجل الحصيف دروسًا فى الحياة وفى ترشيد القرار السياسى تجعلنى أعتز به دائمًا، وعندما أصبح لى الخيار فى الانتماء الحزبى بعد ثورة 25 يناير 2011 اتجهت إلى الحزب الذى التقى معه فى الليبرالية السياسية والوحدة الوطنية مع مسحة علمانية مؤمنة فى ذات الوقت لكنها تفصل بين الدين والدولة وكان فى ظنى ولا أزال أن حزب الوفد يمكن أن يلعب دورًا إيجابيًا فى تحقيق التوازن السياسى وتقديم معارضة وطنية شريفة تدعم نظام الحكم وتكون ظهيرًا له، وليست خصمًا يتصيد الأخطاء أو يضرب تحت الحزام، فالمعارضة جزء لا يتجزأ من النظام السياسى فى أى دولة، ولقد تغيرت قيادة الحزب أخيرا وجاء على رأسه مستشار قانونى هو واحد من ألمع المحامين المصريين وبدأ يجمع الشتات ويوحد الصفوف ويدعو الطيور التى غردت خارج السرب للعودة لأحضان حزبها والارتباط بتاريخها الذى لا يمكن أن تمحوه أحداث عابرة أو أزمات طارئة، وإذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يؤيده الوفديون فى هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الوطن قد رأى أن فترة رئاسته الحالية سوف تسعى إلى بناء الإنسان المصرى والتركيز على التدريب السياسى والتعليم والثقافة والشباب، فإننى أظن أن هيكلة حزب الوفد وإبراز دوره التاريخى هى من لزوميات هذه المرحلة، وهنا نشير إلى الملاحظات التالية:

أولًا: إن الحزب يعانى من أزمة مالية طاحنة تسهم نفقات الصحيفة فى جزء كبير منها، والأمر يقتضى توفيرًا للموارد وترشيدًا للنفقات وإعادة للنظر فى ممتلكات الحزب حتى يجتاز هذه المرحلة الصعبة فى تماسك وترابط لابد منهما، وأنا أذكر الوفديين أن هذا العام يسجل مئوية حركة التفويض الشعبية لسعد زغلول ورفاقه والاكتتاب من أجل الوفد المصرى الذى يفاوض طلبًا للاستقلال بلا تفريط أو تنازل وهذه الذكرى المئوية مناسبة تدعونا إلى إمكانية القياس على الماضى باكتتاب كل من يريد للوفد أن يقف على قدميه داعمًا للدولة وأمنها الإقليمى ومصالحها الوطنية دون تردد أو تباطؤ، كما أن الحزب يجب أن يفتح إلى جانب باب الاكتتاب بابًا آخر للتبرعات السياسية والمساهمات العائلية ممن يؤمنون بمبادئه ويحترمون تاريخه، وأنا أؤكد هنا أن رئيس البلاد يبدو راضيًا عن كل ما يدعم الحياة الحزبية ويحول دون تفتيتها وشرذمة عناصرها وهو الذى دعا إلى حوار بين الأحزاب لإحداث بلورة مقبولة على الساحة السياسية تجعل الأمر متجهًا لخدمة الشعب صاحب القرار الأول والأخير فى المستقبل الوطنى والطريق السياسى اللذين يمضى فيهما.

ثانيًا: إننى أدعو الشخصيات العامة وأصحاب التميز فى كل المجالات إلى دعم الحياة السياسية وفق ما يريدون من اتجاهات وما يحملون من انتماءات شريطة أن يقف الجميع على أرض وطنية ترفض العنف وتدين الإرهاب ولا تسمح باستغلال رسالات السماء فى صراعات القوى السياسية على الأرض، إننى أرى صراحة أن الرئيس ونظامه السياسى لهما ظهير شعبى يجب أن يقوى وأن يستمر وأن يدعمه أصحاب الرؤى السياسية المختلفة دون تفرقة أو تمييز، فالوطن أغلى من الجميع وهو فوق المصالح الذاتية والانتماءات الحزبية والمناورات السياسية.

ثالثًا: إن ممارسة حق الاختيار بين المطروح على الحياة السياسية وخياراتها المختلفة هو أمر يقع فى صميم العملية الديمقراطية التى تحتاج دائمًا إلى رؤية شاملة ونظرة بعيدة تستشرف المستقبل بنزاهة وترى الغد بمنظاره هو وليس بمنظار الماضى أو الحاضر، خصوصًا أننا نواجة انقلابات علمية كبرى واكتشافات تكنولوجية مذهلة لذلك فإن إيقاع الحياة السريع يدعونا إلى مواكبة العصر والحصول منه على الأفضل فى حياتنا الفكرية والثقافية بل والسياسية والاجتماعية.

إن حزب الوفد يمثل فصيلًا سياسيًا وطنيًا يجب أن يدعم مسيرة الوطن وأن يسهم فى البناء السياسى والاقتصادي، خصوصًا أن مصر تواجه تحديات لا تخفى على أحد، والوطنية المصرية هى الملاذ الذى نلجأ إليه ولا بديل عنه.